أجسام حياة وإدراك والأجسام الحية ليس كونها جسما هو بعينه كونها حية إنما الحياة لها كون آخر يطرأ عليها بسبب حي بالذات هو نفسها الحيوانية ولو كان وجود الجسم بما هو وجود الجسم حياة لكان وجود كل جسم حياة له وليس كذلك.
وأما ما ليس بجسم فلا يمتنع أن يكون وجوده هو بعينه كونه بصفة الحياة كالموجود الأول والعقول المفارقة الذوات والنفوس والحياة ليست ما به يكون الشيء حيا فإنه من المستحيل أن يصير الشيء بهذا الكون ذا هذا الكون بل حياة الشيء حية كما هو طريقتنا في باب الوجود والمضاف والأين والاتصال في الصورة الجسمية والنورية في المفارقات والتقدم والتأخر في أجزاء الزمان.
والحاصل أن الوجود الجسماني بصحبة الغفلة والموت والهجران والفوت سواء كان هذا الوجود في طرف المدرك المشتاق أو في طرف المدرك المشتاق إليه لما علمت من قلة الحضور والوجدان فيها حتى شعورنا بذاتنا ووجودها لنا حين فارقنا البدن يكون أتم وأوكد وذلك لأنا لا نشعر بذواتنا مع هذه العلاقة البدنية إلا مخلوطا بالشعور بالبدن لنحو اتصال وارتباط بين النفس والبدن (ارتباط النور بالظل والشعلة بالدخان والشخص بالعكس) إذا فرض أنه قابلية مرآة وفرض أنه لم ير بعد صورتها في المرآة وذلك لأنا لا نعقل شيئا ونحن بدنيون إلا ويقترن به خيال أغلب من العقل. فإذا انقطعت العلاقة بين النفس والبدن وزال هذا الشوب صارت المعقولات مشاهدة والشعور بها وبذواتنا المتحدة معها شهودا إشراقيا وكشفا حضوريا ورؤية عقلية فكان التذاذ النفس بحياتها العقلية أتم وأفضل من كل خير وسعادة.
وقد عرفت أن اللذيذ بالحقيقة هو الوجود وخصوصا العقلي وخصوصا المعشوق الحقيقي والكمال المطلق الأتم الواجبي وأن الالتذاذ به هو أفضل الالتذاذ وأفضل الراحة بل هي الراحة التي لا ألم فيها فهذه النفوس التي صارت عقولا بالفعل ستصير إلى راحة لا ألم فيها ووصال لا هجران معه وهذه الأمور لا مدخل لها في الوهم. وليس لجمهور الناس إلا سماع ألفاظ دالة عليها إلا أن البرهان دل عليها كما دل على حقيقة الواجب الوجود وأحوال إلهية فإن القدر الذي من البهجة يناله النفوس