والمشاعر الحيوانية بعض من الكل وهي المحسوس منه والقوة الحسية ليس بملائمها جميع محسوساتها بل بعض منها ينافيها وبعض يلائمها بخلاف العقل فإن كل معقول يلائمه ويكمل ذاته وذلك لأن الحسيات يقع فيه التضاد والتضايف والمنافرة لقصور وجوداتها وآفتها والعقليات لها الفسحة والسعة والخيرية والتمام والملائمة.
وأما أنها ألزم للذات فإن الصور العقلية التي يعقلها العقل يصير ذاته بل كانت بعض تلك الصور قبل أن يقع له الشعور بها مقومة لذاتها وكان غافلا عنها فيرى ذلك الجمال والبهاء لذاته والمدرك العقلي أيضا ذاته فوصول سبب الإلذاذ إلى المستلذ العقلي أشد وأوغل من ذاته وهذه اللذة شبيه باللذة التي للمبدإ الأول بذاته وبإدراك ذاته وللروحانين.
ومعلوم أن لذة الملائكة بإدراك ذواتهم العقلية النورية فوق لذة الحمار بإدراك صورة الجماع والقضيم ونحن لا نشتهي تلك اللذة بالطبع بل بالعقل ولا نحن إليها ولا نتصور من ذواتها إلا باعتبار مفهومات ذهنية صادقة عليها ومفهوم الشيء ومعناه غير حقيقته وهويته ونحو وجوده فإن مفهوم الحلاوة ليس حلوا إلا أن البرهان والعقل يدعوان إلى وجود المستلذات العقلية والمعرفة بالعقليات في الدنيا منشأ الحضور والوجدان في العقبى لما مر أن المعرفة بذر المشاهدة وذلك لأن الحجاب بين العقليات والعقل ليس إلا عدم التفطن بها وهو الجهل أو الاشتغال بغيرها كالبدن والمواد الجسمية وقواها المنطبقة فإن النفس إنما يتوصل إليها باكتساب العلم بحقائق الموجودات والقوة العقلية مستعدة بالطبع لقبول الصور المعقولة من المفارق وليس بعد المفارقة إعراض عن تلك الجهة إلى جانب البدن فيكون مجرد المعرفة باللذائذ العقلي سبب الوصول إليه عند رفع المانع وهو الاستغراق بالبدن وقد انقطع بالموت بخلاف الشعور بالمحسوسات والتخيل لها فإنه غير كاف للوصول إليها والإحساس بها لإمكان الحجب الجسمانية بين الحواس ومحسوساتها اللذيذة والسبب فيه ضيق وجودها وفقد بعضها عن بعض وغيبته عنه حتى أن الجسم الواحد يغيب جزؤه عن جزء آخر بل عن كله وكذا يغيب كله عن جزئه بل لا حضور لشيء منه عند شيء وكذا الجسماني القائم بالجسم من الصفات والأعراض.
ولهذا ليس للأجسام بما هي