قواها وخصوصا الوهمية وإذا تكرر قمعها له واستعلاؤها عن انقياده حدثت فيها هيئة عقلية استعلائية يسهل عليها ما لم يكن يسهل من قبل وهذا الاستعلاء على البدن وعدم الانفعال عن دواعيه إنما يحصل للنفس بأن يفعل الأفعال البدنية التي لا بد لها من فعلها ما دامت في البدن على التوسط كما أن الهيئة الإذعان يحصل لها بوقوع الأفعال منها في طرف واحد من الإفراط والتفريط فكان أفعال التوسط بمنزلة ترك الأفعال البدنية وعدم الالتفات إليها كما أن الفاتر من الماء لا حار ولا بارد وهيئة الاستعلاء والتنزه ليست غريبة عن طبع النفس بل من طبع التجرد والتوحد من المادة والهيئة الإذعانية هي الغريبة في المجرد من حيث هو مجرد المستفادة من المادة التي تعلق بها فسعادة طبع النفس وخاصيتها الوجود الاستقلالي والتنزه عن المواد والأجرام وإدراك المعارف والعلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه ومشاهدة الأشباح العقلية والذوات الروحانية وليس للحس هذه العقليات أصلا فظهر أنه لا يقاس هذه اللذات إلى ما يناله الحس من اللذات المكدرة الجرمية الداثرة والمرغوبات الترابية الكثيفة الزائلة وسبب خلونا عن إدراك لذة العلوم والمعارف ونحن في شغل البدن هو مثل التخدير الحاصل لقوة الذوق حين عدم نيل لذة الطعوم والحلاوات بواسطة مرض بوليموس فلو فرض كون المعارف التي هي مقتضى طباع القوة العقلية وخاصيتها من معرفة الله وملائكته ورسله وكيفية صدور الوجود منه على أحسن نظم وأليق ترتيب حاضرة حين اشتغلت بها في البدن عن أن يصير مستغرقة بالبدن وعوارضه فيستوعب الهم به لكانت لذة النفس بها لذة لا يدرك الوصف كنهها وإنما لا يشتد الرغبة والشوق من العرفاء بمعارفهم في هذا الآن لعدم الذوق التام فإن اللذيذ هو نحو وجود هذه المعلومات الخارجي وإنما الحاصل عند النفس نحو وجودها الضعيف الذهني وإنما ضعف وجودها لضعف إدراك النفس لها لأجل غورها في البدن وإلا فهي أقوياء الوجود وظاهرة النورية والوضوح بحسب أنفسها لكن هذه المعرفة الضعيفة من النفس لها بحسب المفهوم والمعنى إذا كانت مطابقة لما هي عليها في الواقع يؤدي بعد رفع غشاوة البدن إلى مشاهدة المقربين ومصاحبة المقدسين التي لا سعادة فوق مشاهدتهم
(٤٧٤)