الحسنات الدينية والحكمية من المعرفة والزهد وينيب إلى الله تعالى بالتوجه إليه والسلوك نحوه فيشرع ترك الفضول الدنياوية طلبا للكمالات الأخروية ويعزم عزما تاما ويتوجه إلى السلوك إلى الله تعالى من مقام نفسه فيهاجر مقامها ويقع في الغربة.
ثم إذا دخل في الطريق يزهد عن كل ما يعوقه ويتقي عن كل خاطر يرد في قلبه ويجعله مائلا إلى غير الحق فيتصف بالورع والتقوى والزهد الحقيقي.
ثم يحاسب نفسه دائما في أفعاله وأقواله ويجعلها متهمة في كل ما يؤمر به وإن كانت أمرته بالعبادة لأن النفس مجبولة بمحبة الشهوات فلا ينبغي أن يؤمن من تداخلها فإنها من المظاهر الشيطانية.
فإذا خلص منها وصفا وقته وطاب عيشه بالالتذاذ بما يجده في طريق المحبوب يتنور باطنه فيظهر له لوامع أنوار الغيب وينفتح له باب الملكوت ويلوح منه لوائح مرة بعد أخرى فيشاهد أمورا غيبية في صور مثالية. فإذا ذاق شيئا منها يرغب في العزلة والخلوة والذكر والمواظبة على الطهارة التامة والعبادة والمراقبة والمحاسبة ويعرض عن المشاغل الحسية كلها ويفرق القلب عن محبتها فيوجه باطنه إلى الله الحق بالكلية فيظهر له الوجد والسكر والوله والشوق والهيمان فيمحوه تارة بعد أخرى فيجعله فانيا عن نفسه غافلا عنها فيشاهد الحقائق السرية والأنوار الغيبية فيتحقق في المشاهدة والمعاينة والمكاشفة.
ويظهر له حقائق عقلية وأنوار حقيقية وتختفي أخرى حتى يتمكن ويتخلص من التلوين وينزل عليه السكينة الروحية والطمأنينة الإلهية ويصير ورود هذه البوارق والأحوال له ملكة فيدخل في عالم الجبروت ويشاهد العقول المجردة والأنوار القاهرة والمدبرات الكلية من الملائكة المقربين والمهيمين في