جلال الله تعالى من الكروبيين ويتحقق بأنوارهم فيظهر له أنوار سلطان الأحدية وسواطع العظمة والكبرياء الإلهية فيجعله هباء منثورا ويندك عند جمال الله تعالى جبل إنيته فيخر لله خرورا ويتلاشى تعينه في التعين الذاتي ويضمحل وجوده في الوجود الإلهي.
وهذا مقام الفناء والمحو وهو نهاية السفر الأول للسالكين. فإن بقي في الفناء والمحو ولم يجئ إلى البقاء والصحو صار مستقرا في عين الجمع محجوبا بالخلق عن الحق لضيق وعائه الوجودي واستغراقه وفنائه من البدن وقواه فكذلك في هذه الحالة ما زاغ بصره عن مشاهدة جماله وجلاله وسبحات وجهه وذاته فاضمحلت الكثرة في شهوده واحتجب التفصيل عن وجوده وذلك هو الفوز العظيم.
وفوق ذلك مرتبة أخرى يرجع فيها إلى الصحو بعد المحو ونظر إلى التفصيل في عين الجمع ووسع صدره الحق والخلق وإليه أشير في قوله تعالى حكاية عن مرتبة الرسول النذير المنذر: ألم نشرح لك صدرك. و وضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك فإن أعباء الرسالة التي هي سفره من الحق إلى الخلق كانت على النبي ص في أوائل الحال ثقيلا ولم يكن صدره واسعا للطرفين وذلك لاستغراقه في مشاهدة جماله ومعاينة عظمته وكماله واشتغاله بالله عن غيره إلى أن صار جامعا بين الحق والخلق بحيث لم يكن أفعاله حجابا عن صفاته ولا الصفات عن ذاته بل كان مشاهدا لله تعالى في كل ما يسمع ويرى وملاحظا لوجهه في كل ما يظهر ويخفى. فهو في هذه الحالة أهش بعباد الله لكونه مبتهجا بالحق وبكل شيء لأنه يشاهد الحق فيه فهو بالحق يرى كل شيء ويسمع ويذوق ويشم ويجد طعم الحق ورائحة الطيبة في كل شيء لا على وجه يوجب الكثرة والتجسم تعالى عما يقول الظالمون الملحدون علوا كبيرا.