فمراتب النفس بحسب هذا الاستكمال منحصرة في نفس الكمال وهو العقل بالفعل وفي استعداده قريبا كان كالعقل بالملكة أو بعيدا كالعقل الهيولاني.
فإذا حصلت للنفس المعقولات المكتسبة صارت من جهة تحصيلها إياها وإن كانت غير قائمة بذاتها بالفعل عقلا بالفعل لأن له أن يعقل متى شاء من غير أن يستأنف طلبا وذلك لتكرر مشاهداتها للنظريات مرة بعد أخرى وتكرر رجوعها إلى المبدإ الواهب واتصالها به كرة بعد أولى فحصلت لها ملكة الرجوع إليه والاتصال به وصارت معقولاتها مخزونة فيه.
وإذا اعتبرت مشاهدة النفس لتلك المعقولات متصلة بالمبدأ الفعال سميت عقلا مستفادا لاستفادتها لها من الخارج أي من العقل الفعال.
والإنسان من هذه الجهة هو كمال عالم العود وصورته كما أن العقل الفعال غاية عالم البدء وكماله فإن الغاية القصوى في إيجاد هذا العالم الكوني الحسي وتمامه وكماله إنما هي خلقة الإنسان وغاية وجود الإنسان أن يحصل له مرتبة العقل المستفاد أي مشاهدة المعقولات والاتصال بالمفارقات.
وأما خلقة سائر المكونات من الحيوان والجماد والنبات فلشيئين: أحدهما انتفاع الإنسان بها واستخدامه لها كما في قوله تعالى في انتفاعه من الحيوان: أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون. و ذللناها لهم فمنها ركوبهم و منها يأكلون وقوله تعالى: و الأنعام خلقها لكم فيها دفء و منافع و منها تأكلون. و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون. و تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤف رحيم. و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى. وآيات كثيرة في كون وجود النبات لأجل الإنسان وانتفاعه منها قوله تعالى: هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر فيه تسيمون.