الثالثة تحلي النفس الناطقة بالصور القدسية.
الرابعة فناء النفس عن ذاتها وقصر النظر على ملاحظة الرب الأول وكبريائه وملكوته وهو نهاية سفره إلى الله تعالى.
وبعد هذه المراتب لها مراتب ومنازل كثيرة ليست أقل مما سلكها من قبل ولكن يجب إيثار الاختصار فيما لا يدرك إلا بالمشاهدة. والاختصار لقصور التعبير عن بيان ما لا يفهم إلا بالشهود والحضور فإن للنفس بعد السفر إلى الله تعالى ووصوله إلى منتهى هذا السفر أسفارا أخرى بعضها في الحق وبعضها في الخلق لكن بقوة الحق ونوره كما كان سلوكه قبل ذلك بقوة القوى ونور المشاعر والمدارك وإن كان هو أيضا بهداية الحق وتأييده وتسديده ولكن الفرق بين القبيلتين مما لا يحصى.
وكيفية سفره الأول وترقيها من مرتبة النقص إلى ذروة الكمال هو أن الإنسان أول أول ما يلد من امتزاج المواد وحصول التعديل المزاجي وحدوث البدن المخلوق من النطفة الكائنة من الطين المخمر بيد القدرة في أربعين صباحا والعجين الصلصال والمسنون الذي قد مرت على طينته دهور وسنون بعد ما لم يكن شيئا مذكورا فهو كباقي الحيوانات والديدان لا يعرف إلا الأكل والشرب ثم بالتدريج يظهر له باقي صفات النفس من الشهوة والغضب والحرص والحسد والبخل وغير ذلك من الهيئات والصفات التي هي نتائج الاحتجاب والبعد من معدن الوجود والصفات الكمالية فهو بالحقيقة في هذه الحالة حيوان منتصب القامة لا غير يصدر منه الأفاعيل المختلفة والحركات المنوعة إلى غير جهة الحق والصعود إلى عالم الملكوت. كل ذلك بحسب الأغراض النفسانية والدواعي الحيوانية من الشهوية والغضبية فهو في الحجب الظلمانية الساترة للحق سبحانه.
ثم إذا تيقظ من سنة الغفلة وتنبه عن نوم الجهل وعرف أنه في الحقيقة شغله خدمة كلب الغضب وطاعة خنزير الشهوة وعلم أن ما وراء هذه اللذة البهيمية لذات أخر كمالية وفوق هذه المرتبة مراتب أخرى كمالية يتوب عن اشتغاله بهذه الأفاعيل الخسيسة واقترافه السيئات الشرعية والعقلية من الجهل وطاعة النفس وافتراقه عن