وكما أن في الفطريات لو سأل سائل لم كان هكذا لم يكن جواب كذلك هاهنا إذا سأل لم كان القياس الصحيح أو الحد الصحيح يوجب علما لم يكن جواب بل المبدأ الإيجابي في جميع ذلك هو المبدأ الأعلى بتوسط بعض الملائكة الذين ليس فيهم شوب قوة وإمكان فلا لمية لفعلها خارجة عنها.
وذلك لأن الأفكار البرهانية والحدسية هي المعدات فبعد أن يحصل ملكة الاتصال بالمفارق والوصول إلى المعاني العقلية والواردات القلبية يكون وجودها عبثا بل مخلا لأنها أعراض والعرض لا يوجد شيئا وكم من شخص إنساني عرض له مقدمات ما أفادته علما وأفادت غيره علما يقينيا وطمأنينة روحانية فهذه معدات والواهب غيرها.
وظهر من هذا أن العقل الهيولاني إذا صار عقلا بالفعل لم يكن معقولات الإنسان يحصل بسبب المقدمات الذهنية بل من جهة المبادي العقلية.
فالشاهد له في العقائد الحقة ذات الله تعالى وذات الملائكة المقدسين الذين هم روابط فيضه كما في قوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط.
وهذا معنى بعض العارفين حيث قال: عرفت ربي بربي ولو لا ربي ما عرفت شيئا.
وقول الجنيد حين سئل بم عرفت ربك فقال بواردة ترد على القلب فتعجز النفس عن تكذيبها.
وأما الأفعال البدنية فما يحصل منها الأخلاق الجميلة وما يؤدي إلى السعادة الحقيقية ويجنب عن الرذائل القبيحة وما يوجب الشقاوة السرمدية والتعوق عن الخير والكمال الحقيقي الأخروي باستعمال النواميس الشرعية والآداب الدينية من الفرائض والنوافل بحسب جانب الفعل وجانب الترك التي احتوت على جميعها الملة البيضاء المحمدية على الصادع بها وآله أزكى الصلاة والسلام وأطهر التحية على أجل مرتبة وأعظم درجة.