التجريد والتوصل إلى معرفة المجهولات تصورا وتصديقا من المعلومات العقلية.
واعلم أن للإنسان تصرفا في أمور جزئية وتصرفا في أمور كلية.
والثاني فيه اعتقاد فقط من غير أن يصير سببا لفعل دون فعل إلا بضم آراء جزئية.
فللإنسان إذن قوتان: قوة تختص بالآراء الكلية والاعتقادات وقوة تختص بالرؤية في الأمور الجزئية مما ينبغي أن يفعل ويترك من المنفعة والمضرة ومما هو جميل وقبيح ومما هو خير وشر.
ويكون حصوله تابعا لضرب من القياس والتفكر غايته أن يوقع رأيا في أمر جزئي مستقبل من الممكنات إذ الأمور الضرورية والمستحيلة لا يروى فيها ليوجد أو ليعدم.
وما مضى فقد فات والروية عبث.
وإذا حصل الرأي الجزئي يتبع حكم القوة المروية قوة أخروي في أفعالها التحريكية أولاها القوة الشوقية الغائية المسماة بالباعثة والأخرى القوة الفاعلية المسماة بالمحركة.
كل هذه يستمد في الابتداء من القوة المتصرفة في الكليات بإعطاء القوانين كبريات القياس فيما يروى كما يستمد من التي بعدها صغريات القياس والنتيجة الجزئية.
فللنفس في ذاتها قوتان: نظرية وعملية وتلك للصدق والكذب. وهذه للخير والشر في الجزئيات. وتلك للواجب والممكن والممتنع وهذه للجميل والقبيح والمباح.
ولكل من القوتين شدة وضعف في فعلها ورأي وظن في عقلها.
والعقل العملي يحتاج في أفعاله كلها دائما إلى القوى البدنية. وأما العقل النظري فله حاجة ما إليها لا دائما بل قد يكفي لذاتها كما في النشأة الأخروية سواء كان في طبقة الكروبيين من المقربين أو يكون في صنف المتوسطين وأصحاب اليمين فإن أنهار الجنة وأشجارها وحورها وقصورها وسائر الأشباح الأخروية إنما تنبعث من ذات النفس وشهواتها وتصوراتها كما في قوله تعالى: فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذ الأعين كما سنبينه عن قريب في كيفية الحشر الجسماني إن شاء الله. فجوهر النفس مستعد لأن يستكمل نوعا من الاستكمال بذاتها وبما هو فوق ذاته