الغاذية شبيها بالمغتذى بل غذاء موافق له وذلك مما يندر وجوده في الطبيعة فلم يكن غذاؤه طبيعيا بل يحتاج في أن يحصل وجوده إلى صنعة ما ولم يكن وجود هذه الصنعة المحصلة للغذاء الموافق للإنسان بصانع واحد لأن هذه الصنعة متضمنة بصنائع كثيرة بآلات مختلفة.
وكل واحدة من هذه الصنائع قلما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجودها البقائي إلا بتعليم وتعلم وإن كان وجودها الحدوثي بنحو الإلهام أو الوحي أو الحدس.
والتعاون أيضا إنما يتحقق بمعاوضات مفتقرة إلى طلب ونهي ووعد ووعيد وترغيب وتخويف وتعجيل وتأجيل وغيرها من إعلان مكنونات الضمائر وإعلام مستورات البواطن.
فلهذه الأسباب ولغيرها آكد وأرجح منها احتياج الإنسان للاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيش ونظام التمدن ما في نفسه بعلامة وضعية.
ولا يصلح لذلك شيء أخف من الصوت أو الإشارة والأول أولى لأنه مع خفته مئونة لوجود النفس الضروري المتشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيأة بالتأليف لهيئات تركيبية غير محصورة بلا تجشم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختص إشعاره للقريب والحاضر بل يشتمل هدايته لهما ولغيرهما من البعيد والغائب.
ويشتمل أيضا الصور والمعاني والمحسوسات والمعقولات. ومن خواصه أيضا التعجب وهو انفعال يحصل عقيب الإدراك لأمر نادر يتبعه الضحك.
ومنها الزجر وهو انفعال نفساني يتبع الإدراك للأشياء المؤلمة والموذية ويتبعه البكاء.
ومنها الخجلة وهي انفعال نفساني يتبع شعوره بشعور غيره بأنه فعل شيئا من الأشياء التي قد أجمع على أنه لا ينبغي أن يفعلها.
ومنها الخوف والرجاء بحسب المستقبل.
وفي غيره من الحيوانات يوجدان بحسب الآن وما يتصل بالآن ولا يكون فيما يبعد من الآن إلا بضرب من الإلهام كالذي يفعله النملة في نقل الحبوبات بالسرعة إلى حجرها منذرة لمطر يكون.
وهذه الخواص بعضها للبدن بسبب كونه ذات نفس وبعضها للنفس بسبب كونها ذات بدن.
وأخص الخواص بالإنسان تصور المعاني العقلية المجردة عن المادة كل