فإن رجعت وقلت إذا كان محصل الهيولى أمرا داخلا في قوامها فكيف يكون الهيولى قوة محضة وإبهاما صرفا قلت لا شك عندنا في أن الهيولى ليست أمرا مباينا في الوجود لعلته القريبة من الصورة وغيرها بحسب نفس الأمر إذ لا وجود لها استقلاليا بل الوجود إنما يكون بالذات للصورة والهيولى منها بمنزلة الظل من ذي الظل والظل أمر عدمي في الخارج إلا أن للعقل أن يتصورها شيئا آخر غير الصورة يكون ماهيتها في نفسها قوة شيء واستعداد أمر حادث كما يتصور الظل معنى آخر غير الضوء ماهيتها عدم النور ونقصانه.
والحاصل أن نسبة الهيولى إلى الصورة نسبة النقص من حيث هو نقص إلى التمام والقصور من حيث هو قصور مقيس إلى الكمال. وقصورات الأشياء المختلفة في الكمالات النوعية في الشرف والفضيلة من حيث إنها قصورات متحدة المعنى لأنها عدمية والعدميات لا امتياز لها في أنفسها. ومن حيث إن كلا منها مقيس إلى كمال خاص منسوب إلى فضيلة خاصة غير ما يقاس إليها غيره كانت مختلفة الماهية لكل منها نوعية أخرى وتحصل آخر غير ما لغيره.
فعلى هذا كلا القولين حق وصواب أي القول بوحدة الهيوليات نوعا والقول باختلافها وتعددها نوعا.
وأما فيما ذكرته ثانيا فهو أن النفس الإنسانية قد أشرنا بطريق التجوز إلى أنها مجمع البحرين وليس من دأبنا إيراد الكلمات الشعرية والموعظة الخطابية مجردة عن البراهين إذ لا اعتداد بغير البرهان أو الكشف والكشف التام أيضا لا يمكن الوصول إليه في العقليات الصرفة إلا من طريق البرهان والحدس لكن بإعانة من الرياضات الشرعية والحكمية والمجاهدات العلمية والعملية.
فمعنى كونها مجمع البحرين أن ذاتها في مبدأ الفطرة نهاية عالم الجسمانيات في الشرف وغايتها في الكمال وبداية عالم العقليات في السفر إلى المعبود الحق والتدرج في الوصول إليه من حال إلى حال.
فهي صورة الصور في هذا العالم ومادة المواد في عالم آخر فيكون حدا جامعا وبرزخا وحاجزا بين البحرين الجسمانيات والروحانيات منه البداية وإليه الانتهاء من وجهين.
فإن نظرت إلى ذاتها في هذا العالم فوجدتها