آئسا عن رحمة الله تعالى وقبول الفيض الإلهي الذي ذكرناه لتفاسدها وبعدها عن التوافق والاعتدال لضيق وعائها الوجودي وخسة نشأتها المخصوصة.
ألا ترى الأجسام أول ما تمازجت وتصالحت قواها المتضادة بسبب الكسر والانكسار والفعل والانفعال استعدت لقبول أثر من الفيض الإلهي ولمعة من النور الوجودي وهو الصور المعدنية الحافظة للعناصر من التضاد والتفارق والتهارب وسائر ما يظهر منها من بعض اللمعان والصفا والتلألؤ كما في الدرر واليواقيت وما فيه زبرج نوري.
ثم إذا تركبت تركيبا أقوى في التوسط وأوغل في الاعتدال فاض عليها ما يظهر به منها بعض آثار الحياة من التغذية والتنمية والتوليد وهكذا تراها متوغلة في نقض التضاد وهدم الخلاف إلى أن يصل إلى درجة الحيوان فيصدر منها كثير من آثار الروح والعقل إما بأن يكون صورها الحيوانية ونفوسها الحاسة بمنزلة الآلات لأفاعيل النطقية صادرة عنها بإلهام بعض الملائكة الروحانيين أو يكون نفوسها بأعيانها جواهر روحانية بالذات كما ذهب إليه الأقدمون.
فإذا بلغت إلى غاية التوسط من الأطراف المتضادة فاعتدلت أو قربت حدا من الاعتدال الرافع للتضاد الذي هو بمنزلة الخالي عن الأضداد كالسبع الشداد وما فيها استعدت لقبول الفيض الذي أكمل مما يمكن قبوله وقبلت من التأثير الإلهي ما قبلته الأجرام العلوية والعرش الأعظم الذي ترفع إليه الأيدي في الدعاء لصفاء جوهره أقصى غاية الصفاء وتهيئه لقبول الفيض عن المبدإ الأعلى أتم تهيؤ لاعتداله الذاتي وبعده عن التضاد أقصى بعد.
قال الشيخ الرئيس: لو لا ذلك في جوهر الفلك لما صلح على لسان أكثر الأمم أن الله تعالى على السماء.
وبالجملة إن العناصر إذا امتزجت امتزاجا قريبا من الاعتدال جدا وسلكت طريقا إلى الكمال أكثر مما سلكه الكائن النباتي والحيواني وقطعت من القوس العروجى أكثر اختصت بالنفس الناطقة المستخدمة لجميع القوى النباتية والحيوانية وهي كمال أول لجسم طبيعي إلى جهة ما تدرك الأمور الكلية والمجردات وتفعل الأفعال الفكرية.
فلها باعتبار ما يخصها من القبول عما فوقها والفعل فيما دونها قوتان: قوة عالمة وقوة