لكونها قبل الاتفاقات والحركات والاستعدادات. وامتياز الشيء بنوعه أو بلوازم نوعه يوجب الانحصار في شخص واحد. وأما الثاني فلما دلت عليه قاعدة الإمكان الأشرف التي أفادها الأستاذ الأول أرسطاطاليس من أن ذات البارىء لا يقتضي الأخس ويترك الأشرف بل يلزم من فيض جوده الأشرف فالأشرف. وبرهان هذه القاعدة في كتاب حكمة الإشراق.
والقاعدة وإن لم تطرد فيما تحت الكون وفي سلسلة العائدات كما ظنه بعضهم لكنها جارية في الإبداعيات.
وأما الوجودات الواقعة في عالم التركيب ومراتب الصعود فهي أيضا في غاية الجودة ونهاية نظم الوجود وذلك لأن الأمور الواقعة فيه نظامها متعلق بحركات الأفلاك وأوضاعها لأغراض شريفة علوية فيكون ما يصدر عنها في غاية الحسن.
وأيضا نظام الأفلاك وما فيها ظل نظام ما في القضاء الإلهي بناء على ما مر وعلى ما تحقق عندهم من أن صدور الموجودات عن الباري تعالى ليس على سبيل البخت والاتفاق كما نسب إلى ذيمقراطيس ولا على طريقة الجزاف في القصد كما توهمته الأشاعرة ولا من إرادة ناقصة كإراداتنا المحوجة إلى دواع خارجة عن الذات كما زعمته المعتزلة ولا بحسب الطبيعة الغير الشاعرة بذاتها فضلا عن الشعور بغيرها كما ذهبت إليه كفرة الدهرية.
بل النظام المعقول الذي يسمى عند الحكماء بالعناية مصدر للنظام الموجود وذلك النظام الموجود محض الخير والكمال.
فهذا الذي على وفقه يجب أن يكون أتم النظامات الإمكانية وأكملها فعلى هذا لا يكون في الوجود أمر جزافي أو اتفاقي بل كله غريزي فطري بالقياس إلى طبيعة الكل سواء كان طبيعيا بحسب نفسه كحركة الحجر إلى السفل أو قسريا كحركته إلى الفوق أو إراديا كفعل الحيوان بما هو حيوان.
إذ كلما يحدث فيجب عن سبب ويترقى سلسلة الأسباب إلى مبدأ واحد ومسبب فرد يصدر عنه الأشياء ويتسبب عنه على ترتيب علمه فلا يتصور غيرها.
فليس في الوجود شيء مناف لطبيعة علله وأسبابه إذ المعلول لا ينافي العلة.