هذا يخالفها من وجه آخر إذ الجفن لا علم له بما يصدر منه من الحركة فتحا وإطباقا والملائكة أحياء وعالمون بما يفعلون.
فهذه نعمة الله تعالى عليك وعنايته لك في الملائكة الأرضية فارفع رأسك وأصعد نظرك من هذه الجهة إلى مشاهدة أنعم الله عليك بعنايته من الأسباب المرتبة المنتهية إلى خلق الأجفان وحركتها حتى يقيس عليها سائر ما أوجده الله تعالى فيك وأسبابه المنتهية إليه إذ الأجفان مثلا لا يقوم إلا بالعين ولا العين إلا بالرأس ولا الرأس إلا بجميع البدن ولا البدن إلا بالغذاء ولا الغذاء إلا بالأرض والماء والنار والهواء والغيم والمطر والشمس والقمر ولا يقوم شيء منها إلا بالسماوات إلا بالمدبرات من الملائكة العملية ولا المدبرات إلا بالملائكة العقلية ولا الجميع إلا بأمر الله وإرادته وقضائه وقدره فإن الكل كالشئ الواحد يرتبط البعض منه بالبعض ارتباط أعضاء الإنسان. فمن كفر نعمة واحدة كفتح العين مثلا فقد كفر نعم الله في الوجود كله من منتهى الثرى إلى منتهى الثريا فلم يبق ملك ولا فلك ولا حيوان ولا نبات ولا جماد إلا ويلعنه ولذلك ورد في الأخبار أن البقعة التي يجمع فيها الناس إما أن يلعنهم إذا تفرقوا أو يستغفر لهم. وكذلك ورد أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر وأن الملائكة يلعنون العصاة في ألفاظ كثيرة لا يمكن إحصاؤها.
وكل ذلك إشارة إلى أن الجاهل العاصي بمعصية واحدة جنى على جميع ما في الملك والملكوت وقد أهلك نفسه إلا أن يتبع السيئة بحسنة يمحوها فيتبدل بالاستغفار فعسى الله أن يتوب عليه ويتجاوز عنه.
والعالم يعلم الأشياء بحقائقها وماهياتها والموجودات بهيئتها وترتيبها وتعلق كل منها بآخر فيعرف الحق الأول بسلسلة الأسباب وربطها بمسببها ومبدئها وكيفية صدور كل ذرة من الكائنات من عللها وأسبابها القريبة والبعيدة إلى أن ينتهي إلى الأسباب القصوى والغايات الأخيرة من الأفلاك حتى ينتهي إلى المعبود الأول وعلة سائر