ثم ألم تنظر أيها السالك سبيل معرفة الله تعالى وملكوته من ملاحظة أحوال الفلكيات وكيفية أوضاعها لانتفاع السفليات من أنها لو كانت كلها نيرات لأفسدت بإحراقها مواد الكائنات ولو كانت بالكلية عرية عن النور لبقي ما دون الفلك في وحشة شديدة وليل مظلم لا أوحش منه وكذا لو ثبتت أنوارها أو لازمت إلى دائرة واحدة لأثرت بإفراط فيما قابلها وتفريط فيما وراء ذلك.
ولو لم يكن لها حركة سريعة لفعلت ما يفعله السكون واللزوم. ولو لم يجعل الأنوار الكوكبية ذات حركة سريعة مشتركة وبطيئة مختصة ولم يجعل دوائر الحركات البطيئة مائلة عن دائرة الحركة السريعة لما مالت إلى النواحي شمالا وجنوبا فلم ينتشر منافعها على بقاع الأرض.
ولو لا أن حركة الشمس خصوصا على هذا المنوال من تخالف سمتها لسمت الحركة السريعة لما حصلت الفصول الأربعة التي تتم بها الكون والفساد ويصلح أمزجة البقاع والبلاد ولما كان القمر نائبا للشمس خليفة لها في النضج والتحليل إذا كان قوى النور جعل مجراه يخالف مجراها فالشمس تكون في الشتاء جنوبية والقمر شماليا لئلا ينفقد السببان وفي الصيف بعكس ذلك لئلا يجتمع المسخنان.
ولما كانت الشمس شمالية الحركة صيفا وجنوبيتها شتاء جعل أوجها في الشمال وحضيضها في الجنوب لينجبر قرب الميل ببعد المسافة لئلا يشتد التسخين والتبريد وينكسر بعده بقربها لئلا تضعف القوة المسخنة عن التأثير.
ثم أما تأملت يا عارف في ملكوت السماوات وما فيها من خلق الكواكب وقوام جواهرها وإشراق نورها وطاعتها للباري ودوامها في الحركات عشقا وشوقا إلى بارئها ومبدعها.