فالحركات كلها طبيعية بهذه الوجهة والنغمات والأشعار كلها مؤتلفة موزونة بالقياس إلى طبيعة الكل وإن لم يكن كذلك بالقياس إلى طبيعة جزئية. ووجود الأصابع الزائدة على خلقة الإنسان طبيعي في جبلة العالم وكذا كل عمر بالقياس إلى الكل طبيعي وإن لم يكن طبيعيا على الإطلاق.
ولو تيسر لك أن تعلم كل شيء بأسبابه وعلله لرأيت جميع الأشياء حسنا عندك وملائما لديك وعرفت هذا الأمر بالوجدان كما تعرفه بالبرهان وعلمت أيضا أن الوجود وكل جزء من أجزائه من جوهر أو عرض مجرد أو مادي فلكي أو عنصري بسيط أو مركب جماد أو نبات أو حيوان ففيها عجائب وغرائب يظهر بها حكمة الله تعالى وقدرته وجلاله وعظمته ما ينقضي الأعمار دون الوقوف على عشر عشيره فتأمل أيها المتفكر في خلق الله تعالى أن مبدع العجائب وصانع الغرائب لما كان غير متناهي القوة والقدرة فلم يجز وقوف رحمته عند حد لا يتجاوزه ويبقى بعد ذلك الإمكان الغير المتناهي من غير أن يخرج من القوة إلى الفعل.
ثم إنه لما امتنع صدور الغير المتناهي مجتمعا لنهوض براهين التطبيق والتضايف وغيرهما م فبالضرورة لا يمكن ذلك إلا على سبيل التعاقب والافتراق.
فلا جرم وجب أن يكون من مبدعات الله جوهر بسيط ليصح صدور الممكنات المحدثات المتجددات عنه تعالى لتقدسه عن التغير فيجب أن يكون ذلك الجوهر ذا قوة غير متناهية في الانفعال كما أن الواجب تعالى ذو قوة غير متناهية في الفعل.
ثم لما كان تجدد الحوادث الواردة على الهيولى موقوفا على أمر متجدد بالطبع حادث بالذات ليصير بتجدده وحدوثه الذاتيين منشأ لتجدد الحادثات فأفاد بفضل جوده وجود أجرام كريمة إبداعية دائمة الحركات لأغراض شريفة علوية هي علة لاستعدادات غير متناهية يلحق إلى فاعل غير متناهية التأثير وقابل غير متناهي القبول لتوجب ذلك إفاضة الخيرات وفتح أبواب البركات دائما كما في قوله تعالى: و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها..