ثم أما تنظر فيها بنظر الاعتبار وتعظم أمرها كما عظم الله أمر السماء والنجوم في كتابه م فكم من سورة يشتمل على تفخيمها في مواضع! وكم أقسم بها في القرآن! ثم أثنى على المتفكرين فيها فقال: يتفكرون في خلق السماوات و الأرض. وذم المعرضين عنها فقال: جعلنا السماء سقفا محفوظا و هم عن آياتها معرضون إشارة إلى أن السماوات أصلاب شداد محفوظات عن التغير إلى أن يبلغ الكتاب أجله. وقال أيضا:
و بنينا فوقكم سبعا شدادا..
وقال: ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها..
فانظر أيها العاقل إلى الملكوت لترى عجائب العز والجبروت وأطل فكرك في الملك فعسى يفتح لك أبواب السماء فتخرج إليها من هذه الهاوية المظلمة فتجول بقلبك في أقطارها إلى أن تقوم بين يدي عرش الرحمن فعند ذلك ربما يرجى لك أن تبلغ رتبة الأقصى ولا يكون ذلك إلا بعد مجاوزتك عن الأدنى وأدنى شيء إليك نفسك ثم الأرض التي هي مقرك ثم الهواء المكتنف لك ثم النبات والحيوان وما على وجه الأرض ثم عجائب الجو ثم السماوات السبع بكواكبها ثم الكرسي ثم العرش ثم حملة العرش وخزان السماوات ثم منه تجاوز النظر إلى رب العرش والكرسي في السماوات والأرض وما بينهما.
فبينك وبينه هذه المفاوز والعقبات وأنت بعد لم تفرغ من أدناها وهي معرفة ظاهر نفسك ثم صرت تدعي بوقاحتك معرفة ربك وتقول: قد عرفت ولا تتأمل أنه يستحيل لك معرفة رب العالمين وأنت عاكف بيت جسدك في عالم التراب.