الوضع بما يستدعيه المادية من الوضع سواء كان في القوام أو في صدور الفعل فلا يكفي في تأثيرها وجودها بما هو وجودها كيف كان ووجود المستعد كذلك بل أن يقع على حالة يكون للمادة فيها بوضعها توسط غير متشابه فإن أوضاع الجسم بالقياس إلى الأجسام الأخر غير متشابه ولذلك تختلف تأثير القوة التي فيه فيها بحسب اختلاف القرب والبعد والمماسة وغيرها وهذا النحو من التوسط للموضوع بين القوة التي فيه وبين المفارق الصرف محال فلو فرضنا كون القوة الجسمانية مؤثرة في المفارق لزم أن يكون وجود المادة فيه لغوا.
وقد قلنا: إن تلك القوة متعلقة بالمادة في صدور أفاعيلها بخلاف تأثير الروحاني في الجسماني فإن الروحاني العقلي غير محتاج في فعلها إلى المادة بما فيها من وضعها وتخصيص حال لها بالنسبة إليه حتى يفعل بل يكفيه وجود ذاته في أن يفعل في المستعدات بل نسبة الجميع إليه نسبة واحدة عامة.
فإن ذوات الأوضاع في أنفسها ليست بذوات أوضاع بالقياس إليه وإن كانت كذلك بقياس بعضها إلى بعض فتلطف تعرف.
فإن قلت: فالأجسام يحتاج في انفعالاتها عن المبادي المفارقة إلى توسط من موادها ونسبة خاصة لها إلى ما يؤثر فيها بمثل ما ذكرت في أفاعيلها.
قلت: بينهما فرق (ما) فإن المادة هي المنفعلة نفسها لا المتوسط بين المنفعل وبين غيره وهناك لم يكن هي الفاعلة بل المتوسطة فأين هذا من ذاك فإن قلت: البدن كيف يؤثر في النفس والنفس لا وضع لها وقد بين أن ما ليس له وضع لا يؤثر فيه ما له وضع.
قلت: المراد أن كل ما ليس له وضع ولا علاقة له مع ذي وضع فإن اقتصر في موضع (ما) على هذا المبلغ فإنما عني به ما هو مجرد بذاته وعلاقته في وجوده أو حدوثه.
وأما الأمر الثاني وهو الرجوع إلى قاعدة أخرى فهو أنا نقول: قد تحقق وتقرر أن