والمواليد وحصولها على الوجه المخصوص واحتياج بعضها إلى بعض وانتفاء بعضها عن بعض مرتبطة منتظمة بلا خلل ولا قصور في المنفعة الكلية واقعة على النحو الواجب في الحصول الكمال الكلي والنظام الجملي كوقوع أجزاء بدن الإنسان في مواقعها الخاصة لحصول الكمال الجزئي والنظام الشخصي تفطن وتحدس أن وقوعها على هذا الوجه الأكمل النافع في المصلحة الكلية ليس بحسب البخت والاتفاق فإن كون الأرض مثلا ذات لون غبراء ليقف عندها الضياء وكون غيرها من العناصر والأفلاك ذات إشفاف في الطباع لينفذ فيها ساطع الشعاع ويحصل الحرارة الغريزية في المركبات ويعد لحصول الصور الطبيعية في الممتزجات إلى غير ذلك من الأشياء الواقعة على الوجه الأحسن الأليق ليس حصولها أمرا واقعا على سبيل البخت والاتفاق وإلا لما دام على النهج الانتظام والاتساق ولا أن طبيعة كل منها جبلت على وجه يترتب عليها الغاية الكلية والمنفعة الكاملة والنظام الفاضل التام فإنه لو لم يكن العناية البالغة والتقدير المحكم فمن أين كانت يهتدي الحيوانات الضعيفة والأجسام النباتية بخصائص مصالحها فانظر كيف يهتدي النحل للأشكال المهندسة بلا تعلم وروية والبذر لأن يحرك العروق إلى الأسفل ليلتصق بالمواضع الصالحة ويستمد الغذاء من جهتها بالامتصاص ويخرج الورق الكثير بين الفواكه ليسترها عن صنوف آفاتها وأمثال هذه الأمور مما لا يمكن حصره وعده.
فتيقن أن موجد هذا العالم ومدبره على الوجه النافع الشريف صانع حكيم واجب بالذات.
بل وجود الواجب تعالى كما قيل أمر فطري فإن العبد عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكل بحسب الجبلة على الله تعالى ويتوجه توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب ولو لم يتفطن لذلك ولذلك ترى أكثر العرفاء مستدلين على إثبات وجوده وتدبيره للمخلوقات بالحالة المشاهدة عند الوقوع في الأمور الهائلة كالغرق والحرق.