سواء كان ما بالقوة غير متقدم على ما بالفعل بحسب الزمان كالكرات العالية أو متقدما كالأجسام العنصرية.
وفي الجميع ما بالفعل مطلقا سبب لخروج ما بالقوة إلى الفعل ومتقدم عليه.
وما نقل عن بعض الأقدمين من الفلاسفة: أن المبدأ الأول لجميع الأشياء هو الظلمة أو الهاوية وفسر بعضهم بخلاء غير متناه فلعله من جملة رموزهم وتجوزاتهم بأن يكون المراد من المبدأ المبدأ القابلي ومن جميع الأشياء جميع الكائنات الفاسدة ويأول الظلمة والهاوية بالهيولى الأولى التي هي أظلم الذوات وأوحشها وأبعدها عن نور الأنوار جلت عظمته. وكونها فضاء وخلاء؛ كناية عن خلوها بحسب فطرتها عن جميع الصور والمقادير. وكونها غير متناه؛ إشارة إلى قوة قبولها صورا وهيئات غير متناه فائضة عليها من واهبها الأعلى.
وللطبيعيين طريق خاص في الوصول إلى هذا المقصد وهو أنهم قالوا في بيانه: إن الأجسام الفلكية حركاتها ظاهرة وهي ليست طبيعية ولا قسرية بل نفسانية شوقية لا بد لها من غاية.
وإذ ليست الغاية غضبية ولا شهوية لتعاليها عنهما ولا الأجسام التي تحتها أو فوقها ولا النفوس التي لشيء منها كما ستطلع على بيان الجميع بالبرهان إنشاء الله تعالى.
فتعين أن يكون غايتها أمرا قدسيا مفارقا عن المادة بالكلية يكون ذا قوة غير متناهية لا يكون تحريكاته لها على سبيل الاستكمال فإن وجب وجوده فهو المقصود وإن لم يجب فينتهي إلى ما يجب وجوده دفعا للدور والتسلسل.
وهذه الطريقة هي التي سلكها واعتمد عليها مقدم المشائين في الكليتين من كتابه المسمى بالتعليم الأول وهو السماع الطبيعي من الطبيعيات والكليات من الإلهيات وأشير إليها في الكتاب الإلهي حكاية عن الخليل فإنه على نبينا وآله وعليه السلام لما رأى ظهور الحركات في الفلكيات وانفعال العنصريات عن تغيرات الكرات