والحاصل: أن الماهية إنما يكون قابلة للوجود عند وجودها في العقل فقط و لا يمكن أن يكون فاعلة لصفة خارجية عند وجودها في العقل فقط فالمؤثر في الوجود لا بد وأن يكون متقدما عليه بالوجود.
وواجب الوجود ليس مطلق الوجود الكلي كما توهمه فرقة من المتصوفة فإن كل كلي يحتاج في تخصصه بشيء من أفراده وحصصه إلى مخصص خارجي إذ لو اقتضى ذاته التخصيص بواحد معين منها لكان كل فرد أو حصة منه ذلك الواحد المعين وليس مطلق الوجود حاله كذا.
وكل ما يحتاج في تعينه إلى أمر آخر متعلق وجوده بذلك الآخر وكل ما هو كذلك فهو معلول ممكن.
فواجب الوجود صرف الوجود بشرط تجرده عن الزوائد لا لا بشرط إيجاب شيء له وبين المعنيين بون بعيد كما بين في علم الميزان.
واعلم أنه ليس معنى قولهم: إن الوجود عين في الواجب تعالى زائد في الممكن هو: أن لمطلق الوجود الانتزاعي الفطري حصولا في نفسه في الخارج أو عروضا انضماميا للماهيات وقياما حقيقيا بها في الأعيان بل معنى عينيته في الواجب وعروضه في الممكن أن الواجب ذاته بذاته مناط حيثية انتزاع الوجود الاعتباري أي: إنه بحيث إذا حصل في الذهن ينتزع العقل منه ذلك الأمر الاعتباري الفطري لا بملاحظة حيثية أخرى أية حيثية كانت ارتباطية أو انضمامية.
والممكن ليس سبيله هذا فإن ذاته من حيث هي هي ليست بحيث إذا حصلت في الذهن ينتزع العقل منها ذلك الأمر المسمى بالوجود إلا بملاحظة حيثية أخرى سوى نفس ذاته هي: كونها منتسبة إلى موجبها التام صادرة عنه. وكون الوجود خارجيا عبارة عن كون حيثية انتزاعه في الخارج وكونه ذهنيا عبارة عن كون حيثية انتزاعه في الذهن.
فذات الواجب تعالى محض حيثية انتزاع الوجود العام الفطري سواء كان عنه وهذا كوجوده تعالى بحسب نفس ذاته أو عن الماهيات وهذا كوجوداتها بحسب انتسابها إليه تعالى.
وذات الممكن محض القوة والفاقة وهذا المعنى الانتزاعي الفطري وإن كان في مرتبة متأخرة عن الذات لا ينافي