التفاتا كما أوضحه الفلاسفة الإلهيون فمن الواجب من حكمته وحسن تدبيره وعلمه بالنظام الأتم أن يودع في كل منها عشقا كليا ويفرز فيه شوقا طبيعيا حتى يصير بذلك مستحفظا لما نالت من فيض الكمال الكلي ونازعا إلى الوصول إليه والالتصاق به عند فقدانه ليجري به أمر السياسة على النظام الكلي.
ثم إنه لو لم يكن الخير بذاته معشوقا لما أصاب كل واحد مما يشتهي أو يعمل عملا غرضا أمامه منه يتصور خيريته ولو لا أن الخيرية بذاتها معشوقة لما اقتصر الهمم على إيثار الخير في جميع التصرفات. فكل واحد من الموجودات الحقيقية إذا أدرك أو نال خيرا من الخيرات فإنه يعشقه ويطلبه بطباعه وكل شيء تحقق له أن شيئا من الأشياء يفيده الخير والكمال ويوجب الاقتراب إليه زيادة في الفضيلة والشرف فإنه لا محالة يعشقه بغريزته ويطلبه بطبعه لا سيما إذا كان ذلك الشيء يفيده خاص الوجود ويخرجه من القوة إلى الفعل مثل عشق الحيوان لما يغذوه ويقوت به ويفيده تجسما وتعظما مقداريا وعشق الإنسان لما يفيده صورا عقليا يتقوى به الجوهر الناطق ويحيط بالحقائق وصار ملكا من المقربين بعد ما كان ناقصا في مرتبة السافلين.
فإن الإنسان بما هو إنسان يكون تارة في جوهره بالقوة وتارة بالفعل وإذا صار في جوهره بالفعل فلا يزال في صفاته الكمالية بالقوة لا ينال غاية الكمال وروح الشرف والفضيلة ما دام في البدن فإذا خلع البدن صار منخرطا في سلك العقول المهيمنين.
وأما الجرم السماوي فلا يكون في جوهره بالقوة قط ولا في أوصافه وأعراضه الذاتية ولا في شكله بل هو بالفعل في كل ما يمكن له ويجري به فله من الجوهر الجسماني أفضله لعدم الكون والفساد والانخراق والاستحالة ومن الأشكال أفضلها وهي الكرية ومن الكيفيات أفضلها وهي الإضاءة والتشفيف وكذا سائر الصفات فلا يفوته شيء من الكمالات والاتصاف التي يمكن في حق نوعه إلا أمرا واحدا هو أيسر غرض وأسهل مقصود وهو خصوصيات الأوضاع.
وهذا ظاهر لأنه لا يمكن الجمع بين الوضعين فصاعدا في حالة واحدة ولو لم يكن فيه هذا القدر بالقوة لكان قريب الشبه من المفارقات وليس بعض الأوضاع أولى من بعض حتى