قال المشاؤون فتعقل المعلول الأول لوجوب وجوده ونسبته إلى الحق الأول يقتضي أمرا أشرف وهو العقل الثاني وتعقله لإمكانه في نفسه أمرا آخر وهو جرم الفلك الأقصى إذ الإمكان أخس الجهات شبيه بالقوة فيناسب الهيولى وباعتبار تعقله لماهيته نفس هذا الفلك المتحركة بالشوق إليه. ثم من الثاني بالجهات الثلاث المذكورة أيضا عقل وفلك الكواكب ونفسه. ومن الثالث بالثلاث عقل ونفس وفلك زحل وهكذا إلى أن يتم الأفلاك التسعة والعقول العشرة.
والعاشر باعتبار تعقل إمكانه يحصل منه الهيولى المشتركة التي للعناصر وباعتبار تعقل ماهيته صورها النوعية والجسمية وباعتبار نسبة الوجود إلى المبدإ نفوسنا الناطقة.
وهذه الأمور الثلاثة من حيث حقيقتها ونوعيتها مجملة يصدر من الجهات الثلاث التي هي الحيثيات الفاعلية.
وأما تعددها من حيث الأشخاص وتفصيلها فباعتبار جهات قابلية تحصل لكثرة المعاونات والموجبات للاستعدادات المختلفة فإن تكثر حيثيات الفاعل يوجب التخالف النوعي في الأثر لأن آثار الحقائق المختلفة مختلفة.
وأما تعدد التشخص لنوع واحد فلا يحصل إلا باختلاف القابل أو باختلاف استعداده لأن الفاعل متساوي النسبة إلى جزئيات واحد نوعي والماهية متفقة في الجميع ولازم النوع كذلك فما به الاختلاف لا بد وأن يكون من العوارض اللاحقة للنوع الممكنة الحدوث والزوال وكل ما هو كذلك فعروضه يفتقر إلى المادة كما بين في مقامه.
وبالجملة الفاعل بجهة واحدة يجوز أن يفعل أعدادا كثيرة من نوع واحد لاختلاف القوابل ويجوز أن يفعل أنواعا مختلفة أيضا لاختلاف القوابل كما عند المشائين.
واعتبر بشعاع الشمس الواقع على الزجاجات المختلفة اللون.
وأما الحكماء الرواقيون والفارسيون فعندهم صدور الأنواع المتكثرة المتكافئة كأنواع الأجسام العنصرية يحتاج إلى اختلاف نوعي إما في الفاعل أو في جهات تأثيره ولما لم يكن في العقل الأخير من الجهات والحيثيات ما يفي تكثرها تكثر الأنواع التي في عالمنا هذا فذهبوا إلى أن في العقول عددا كثيرة فوق العشرة والعشرين أو الخمسين التي تكون بإزاء عدد الأفلاك وواحد العنصريات بل عندهم لكل نوع من