للخير وما يوجد شيء منه إنما يوجد بما هو هو لا بما هو غير ذاته بخلاف غيره.
فإنا نكتب لأجل صفة الكتابة ونتكلم لأجل الاقتدار على تأليف الكلمات ونمشي لأجل القوة على الحركة.
ولا نفعل شيئا من الأفاعيل من حيث كوننا جوهرا ناطقا فنتذوت ونتجوهر بمعنى ونفعل ونتحرك بمعنى آخر.
وكلما فاض عن الواجب فإنه انبعث عن صريح ذاته وحاق حقيقته من غير صفة زائدة أو إرادة متجددة أو داع مستأنف أو انتظار وقت أو فرصة أو طلب ثناء أو محمدة.
فأول الصوادر منه موجود إحدى الذات والهوية ولا يكون ذلك عرضا ولا صورة لتأخرهما عن الموضوع والمادة ولا مادة لتقومها بالصورة. ولا جسما لتركبه. ولا نفسا لتقومها في تشخصها وفاعليتها بالمادة.
فأول الصوادر عن البارىء جل ذكره جوهر مفارق عن المادة ذاتا وفعلا سماه بعض الأوائل عقل الكل والعنصر الأول. وهو أعظم الممكنات وأشرفها بالحدس وبقاعدة إمكان الأشرف نسبته إلى العقول في الباديات نسبة العقل المحمدي إلى عقول الأنبياء والأولياء في العائدات صلوات الله عليهم أجمعين.
واعلم أنك قد علمت مرارا أن الجسم لا يصدر عنه الجسم. وللأفلاك خصوصية أخرى في امتناع إيجاد بعضها بعضا لكون بعضها محيطا بالبعض وهي أن الحاوي لو كان علة للمحوي فمع وجوبه إمكان المحوي إذ وجوبه بعد وجوب الحاوي ووجوده فيكون مع وجوبه إمكان لا كون المحوي فيقارنه إمكان الخلاء مع أنه ممتنع بالذات والمستلزم للمحال محال لأن الممكن من حيث إمكانه لا يستلزم المحال كما أنه من هذه الحيثية لا يكون مستلزما للواجب بالذات. وقد حققنا ذلك في الأسفار الأربعة.
ولا يمكن أن يوجد المحوي الحاوي لكونه أشرف منه وأعظم.
فإن قلت: إذا وصفت أن الفلك الحاوي يكون مع جوهر عقلي يكون علة للفلك المحوي مقدما عليه وما مع المتقدم متقدم فيلزم من تقدم الحاوي عليه الخلاء. فقد وقعت فيما هربت عنه.
قلنا: ما مع المتقدم بالزمان ونحوه متقدم أما ما مع المتقدم بالذات فليس متقدما