الله المجيبة لدعوة الشيطان إذ لم يسخره العقل الهادي إلى طريق الرحمان فإن للعقل الإنسان جنودا كثيرة خلقها الله لتكون مسخرات مطيعات له وخادمة إياه في طريق الله تعالى وسفره الذي لأجله خلق وخلقت إذ خلق الإنسان في أول حدوثه ضعيف الفطرة ناقص القوة شبيها بالعدم حيث أتى حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فتدرج في الوجود ثم حصل له استعداد الترقي من مرتبة إلى مرتبة حتى يصل إلى معبوده الحق.
فلا بد للمسافر من مركب وزاد وخادم فمركبه مادة البدن وزاده العلم والتقوى وجنوده وخادمه الأعضاء والقوى.
وتلك الجنود صنفان: صنف يرى بالأبصار وهي الأعضاء والجوارح وصنف لا يدرك بالحواس الظاهرة وهي القوى والحواس. وجميعها خلقت للعقل مسخرة له وهو المتصرف فيها وخلقت مجبولة على طاعته أما الجند الأول فلا يستطيع له خلافا ولا عليه تمردا فإذا أمر العين للانفتاح انفتح وإذا أمر الرجل للحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلام وجزم الحكم به تكلم وكذا سائر الأعضاء.
وأما الجند الآخر فهي أيضا كذلك إلا الوهم فإن له شيطنة بحسب الفطرة يقبل إغواء الشيطان ومغاليطه فيعارض العقل في المعقولات فيحتاج إلى تأييده من جانب الحق ليغلب عليه ويقهره.
وتسخر الحواس للعقل يشبه من وجه تسخر الملائكة لله تعالى فإنهم جبلوا على الطاعة لا يستطيعون له خلافا ولا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون. وتمرد الوهم عن طاعته يشبه تمرد الشيطان من طاعة الله. وشرح تفاصيله مما يطول الكلام.
ومن رؤساء جنود العقل الشهوة والغضب وهما قد ينقادان له انقيادا تاما فيعينانه على طريقه الذي يسلكه وقد يعصيانه عليه استعصاء بغي وتمرد لأجل طاعة الوهم المطيع للشيطان حتى يملكانه ويستبعدانه وفيه هلاكه وانقطاعه عن سفره الذي به