بالذات كما أن ما مع العلة ليس بعلة وليس هذا التقدم إلا بالعلية.
فإن قلت: الحاوي والمحوي كلاهما ممكنان فيمكن خلو مكانيهما فيلزم الخلاء.
قلنا: أما العدم المطلق فليس بخلاء وإنما يلزم الخلاء لو وجد محيط لا حشو له إذا الخلاء ماهية البعد لا العدم المحض.
فقد ثبت أن الأجسام كلها بما هي أجسام متكافئة الوجود بلا تقدم وتأخر بينهما بالذات.
والنفس أيضا ليست علة للجسم بجوهره بل إن تحقق لها في أعراض الجسم وأحواله لأن تأثيرها إنما يكون بواسطة الجسم وقواه فلا تأثير لها في الجسم وقد مر أنها جسمانية الفعل.
والحدس أيضا يحكم بأن موجد الجوهر لا يتقيد بعلاقة عرضية ولا ينجس عن الرجوع إلى معدنه مدة مديدة.
وأما تأثيرها في جسم آخر بتوسط جسمها فيستلزم ما مر من إمكان الخلاء وكل واحدة من الهيولى والصورة لا فعل لها دون الأخرى ولأن الهيولى قابلة محضة لا فعل لها.
وأما تأثير العرض في الجوهر فغير معقول أصلا.
فثبت أن الأجسام المتكثرة ونفوسها وصورها تحتاج إلى علل عقلية متكثرة.
وإذ لا يصدر من الحق الأول إلا واحد فإن صدر عن ذلك الواحد أيضا واحد وهكذا استمرت السلسلة في اقتضاء الواحد فلا ينتهي نوبة الوجود إلى الجسم وقواه وأعراضه أبدا.
ولكنه قد وجد فلا بد من وقوع كثرة في الصادر الواحد الأول كثرة لازمة من غير تعلق الجعل والتأثير بها بالذات كما في لوازم الماهيات على ما حقق في موضعه وإلا لزم صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي.
وأيضا ليس يصدر الأفلاك كلها عن عقل واحد أخير لما علمت أن لكل واحد محركا متشوقا إليه.
فبقي أن يكون للعقل الذي هو مبدأ الفلك الأعلى هوية وإمكان في نفسه ووجوب بالأول وتعقل للاعتبارات.