عقلية وإرادة كلية يكون تعلقها بجسمية الفلك تعلق التدبير والتصرف كتعلق النفوس الناطقة بالقوالب الإنسانية.
واعلم أن الاستدلال على هذا المقصد أيضا كما في مقاصد هذه المقالة على ما وقعت إليه الإشارة إنما يتأتى بالنظر إلى الحركة.
فنقول حركة السماء دلت على أن لها نفسا ناطقة وهذه الدلالة حاصلة لها من جهتين: من جهة فاعل هذه الحركة ومن جهة غايتها وغرضها. وبيانها أنا نقول: هذه الحركة لما ثبت أنها إرادية فلها فاعل وغاية وكلاهما أمر عقلي.
أما غايتها فلأنها ليست حيوانية محضة إذ لا نمو للسماء ولا تغذي إذ لا كون لها من شيء حتى يكون لها شهوة تزيد بحصول ما اشتهته شهوته ولا فساد لها ليكون لها غضب يدفع به ما يزاحمه ويفسده. فلا يكون أغراض السماء شهوية ولا غضبية.
والأغراض بما هي حيوانية لا تخرج عن هذين فلا يكون أغراض السماء حيوانية.
فلها مراد عقلي وإدراك كلي فلا يخلو عن نفس ناطقة عقلية تدرك المراد العقلي بالتصور الكلي.
وأما كون فاعل هذه الحركة أمرا عقليا فلأنها غير منقطعة بل مستمرة إلى ما شاء الله تعالى فلا يصدر عن قوة جسمانية لأن القوى الجسمانية متناهية الأفاعيل والانفعالات.
ففاعل هذه الحركة والمباشر لها نفس مجردة إذ العقل الصرف لا يباشر تحريك الأجسام لأنه كامل بالفعل والمحرك المزاول للحركة لا يخلو عن شوب قوة وشوق إلى كمال لم يكن حاصلا له في أصل الفطرة فيكون نفسا لا عقلا.
لكنها لا يخلو عن مبدأ عقلي يستمد منه ويتشبه به ويشتاق إليه في تحريكاته التي هي عبادة ما ملكية.
فلنشرح ذلك توضيحا وتحقيقا.