كانت مدفونة فيها فيقال: لفرط البرودة في الشتاء وعدم الاعتدال من قبل.
فترجع وتقول: ولم حدثت الاعتدال الآن فيقال: لارتفاع الشمس وقربها في وسط السماء بدخولها ببرج الحمل.
فتقول: ولم دخل الآن ببرج الحمل.
فيقال: إن طبيعة الحركة الفلكية تقتضي ذلك وإنما انفصل من آخر الحوت الآن و لا يمكن دخول الحمل إلا بمفارقة الحوت بعد الوصول إليه فيكون مفارقة الحوت سبب دخول الحمل ويكون سبب الوصول إلى الحوت الانفصال مما قبله. وهكذا إلى ما شاء الله بأمره.
فينتهي الحوادث بعد تسلسل أسبابها الأرضية بالآخرة لا محالة إلى الحركة السماوية ولا يمكن أن يكون كذلك إلا حركة السماء فحركتها سبب لحدوث الأشياء.
فلا سبب لحدوثها إلا أمر الله تعالى وإرادته.
وهذه الدقيقة لما لم يقف عليها جمهور العقلاء من الحكماء والمتكلمين تراهم مضطرين في بيان ربط الحادث بالقديم وذكروا وجوها غير سديدة مذكورة في الكتب لا يفي شيء منها بدفع الإشكال بلزوم قدم الحادث أو حدوث القديم أو انفكاك المعلول عن العلة التامة كارتكاب التسلسل في المتعاقبات فإنه مع بطلانه (لنهوض البراهين من التطبيق والتضايف والحيثيات وغيرها الجارية فيه كجريانها في تسلسل المجتمعات المترتبة) ليس مما يسمن ولا يغني شيء لبقاء التخلف المذكور بحاله.
ومن أراد الإحاطة بكنه هذا المقام فليرجع إلى ما بسطنا فيه من الكلام وأوردنا فيه ما ألهمنا به على التمام. ونحن الآن بصدد أن وجود المركب في هذا العالم دل على الحركة المكانية وتلك الحركة دلت على اختلاف الجهتين لها واختلاف الجهتين دل على وجود جسم كروي محيط بسائر الأجسام متحرك بحركة دورية مستمرة له مبدأ ذو قوة غير متناهية غير جسمانية وينبعث عنها سائر القوى المحركة للأجسام الأكوانية المنقطعة الحركات وذلك الجسم هو السماء.
وكما أن الحركة دلت من حيث الجهة على وجود السماء كذلك تدل من أجل حدوثها أيضا على جسم إبداعي لازم الحركة المستديرة على الدوام وهو مبدأ الحوادث الكونية ومنتهى الإشارة الحسية وكعبة المآرب النشوية لذوي الحاجات