لا بالعوارض لاستحالة أن يلزم الشيء عارض لا يجوز في نوعه والعارض المفارق لا بد له من مادة يقبل تجدده وحدوثه وزواله فما لم يكن له مادة لم يكن له كثرة وتعدد إلا بالنوع.
وهذه العقول التي هي فواعل الجواهر السماوية ينبغي أن يكون هي المعشوقات وغاية الحركات لنفوس السماوات لأن التفات كل شيء في استكماله وطلبه الخير إلى ما هو علته وإلى طلب ما هو التشبه به. فيكون التفات كل واحد من النفوس السماوية إلى علتها وإلى طلب التشبه بها.
إذ يستحيل أن يكون معشوق الكل في حركتها واحدا كما أن العلة القريبة للكل ليس واحدا من جميع الجهات وإن كان مبدع الجميع ومعشوق الكل ذات أحدية حقة بسبب كثرة الجهات العقلية والنفسية التي هي بالحقيقة الحجب النورية التي لو كشفت لأحرقت شدة ضياء سبحات الوجه الحق وقوة نور جلاله كل ما ينتهي إليه بصره. فالمتشبه به والمطلوب في الجميع على الوجه الأشمل الأعم ذات واحدة إلهية ولهذا اشتركت في مطلق الحركة الدورية. والطلب المطلق الكمالي هو الذي أدار رحاها بسم الله مجراها و مرساها. ولكل واحد معشوق عقلي متوسط يخصها ومحرك نفسي مباشر يحركها ولهذا اختلفت الحركات والجهات. فتكثر العقول حسب تكثر الأجرام الحية وتحرك الكرات فتكون النفوس هي الملائكة العملية المحركة بطريق المزاولة والفعل وتلك العقول هي الملائكة العلمية المحركة بطريق العشق والشوق كتحريك المعلم للمتعلم من غير التفات وتغير لبراءتها عن علائق المواد ومباشرة الأجسام وقربها في الصفات من رب الأرباب.
فسبحان القوي القدير الذي قوته أخرجت هذه الأوائل وقدرته أبدعت هذه الوسائل ليترقى الهمم العالية إلى أوجها وذروتها وتتخلص من قيود الحضيض وخستها بذكر مقامها الأصلي ونشأتها.