جماديتان بل هما لا يشبهان لهذين كما أن ذات الله تعالى وصفاته لا يشبهان ذات الخلق وصفاته وإن صدق عليهما مفهوم القلمية الغير المأخوذة في تحديده كونه من خشب أو قصب أو حديد بل الناقش مطلقا. ومفهوم اللوحية الغير المعتبر في تحديده كونه من خشب أو قرطاس بل مجرد كونه منقوشا فيه سواء كان النقش محسوسا أو معقولا.
فالقلم الأعلى ملك إلهي قدسي واللوح المحفوظ ملك نفساني مجرد والكتابة تصوير الحقائق وإفاضتها. والمثال المناسب لمراتب علمه تعالى الأليق للتفهيم إنما يتحقق ويعلم من النشأة الإنسانية والفطرة الآدمية التي هي كهيئة العالم.
فكما أن لأفعال الإنسان من لدن صدورها منه وبروزها من مكامن غيبها إلى مظاهر شهادتها أربع مراتب لكونها أولا في مكمن عقله الذي هو غيب غيوبه في غاية الخفاء كأنها غير مشعور بها ثم ينزل إلى جنب قلبه أي مرتبة كونه نقشا عند استحضارها بالفكر وإخطارها بالبال كلية. (في ش ع: ثم تنزل إلى حيز قلبه أي... نفسا.) وفي هذه المرتبة يحصل للإنسان التصورات الكلية وكبريات القياس عند الطلب للأمر الجزئي المنبعث عنه العزم على الفعل.
والتعبير عن هذه المرتبة من الإنسان بالقلب لأجل تقلبه وانتقاله من معلوم إلى معلوم كما هو شأن العلم النفساني أو لاعتبار توجهه تارة إلى العقل الصرف وتارة إلى الحس.
ثم ينزل إلى مخزن خياله متشخصة جزئية وهو موطن التصورات الجزئية وصغريات القياس ليحصل بانضمامها إلى تلك الكبريات رأي جزئي ينبعث عنه القصد الجازم للفعل ثم يتحرك أعضاؤه عند إرادة إظهارها فيظهر في الخارج.
كذلك الحال فيما يحدث في العالم من الصور والأعراض.
فالأولى بمثابة القضاء ومحله بمثابة القلم. والثانية بمثابة نقش اللوح المحفوظ.
والثالثة بمثابة الصور في السماء.