حقيقة الإنسان كان هذا أيضا عين تدبيرها لهذا البدن من باب اللطائف لأنه لا يعرف كيف ارتباط الحياة لهذا البدن بوجود هذا الروح اللطيف لمشاركة ما تقتضيه الطبيعة فيه من وجود الحياة التي هي الروح الحيواني فظهر نوع اشتراك فلا يدرى على الحقيقة هذه الحياة البدنية الحيوانية هل هي لهذه اللطيفة الظاهرة عن النفخ الإلهي المخاطبة المكلفة أو للطبيعة أو للمجموع إلا أهل الكشف والوجود فإنهم عارفون بذلك ذوقا إذ قد علموا أنه ما في العالم إلا حي ناطق بتسبيح ربه تعالى بلسان فصيح ينسب إليه بحسب ما تقتضيه حقيقته عند أهل الكشف وأما ما عدا أهل الكشف فلا يعلمون ذلك أصلا فهم أهل الجماد والنبات والحيوان ولا يعلمون أن الكل حي ولكن لا يشعرون كما لا يشعرون بحياة الشهداء المقتولين في سبيل الله قال تعالى ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ثم إن تدبير هذه اللطيفة هذا البدن لبقاء الصحبة لما اقتنته من المعارف والعلوم بصحبة هذا الهيكل ولا سيما أهل الهياكل المنورة وهنا ينقسم أهل الله إلى قسمين قسم يقول بالتجريد عند مفارقة هذا البدن فإنها تكتسب من خلقها وعلومها ومعارفها أحوالا وهيأت يعلمون بها في عالم التجريد من أخواتها فتطلب درجة الكمال وهذا الصنف وإن كان من أهل الله فليس من أهل الكشف بل الفكر عليه غالب والنظر العقلي عليه حاكم والقسم الآخر من أهل الله وهم أهل الحق لا يبالون بالمفارقة متى كانت لأنهم في مزيد علم أبدا دائما وإنهم ملوك أهل تدبير لمواد طبيعية أو عنصرية دنيا وبرزخا وآخرة وهم المؤمنون القائلون بحشر الأجساد وهؤلاء لهم الكشف الصحيح فإن اللطيفة الإلهية لم تظهر إلا عن تدبير وتفصيل وهيكل مدبر هو أصل وجودها مدبرة فلا تنفك عن هذه الحقيقة ومن تحقق ما يرى نفسه عليه في حال النوم في الرؤيا يعرف ما قلناه فإن الله ضرب ما يراه النائم في نومه مثلا وضرب اليقظة من ذلك النوم مثلا آخر للحشر والأول ما يؤول إليه الميت بعد مفارقة عالم الدنيا ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فنحن في ارتقاء دائم ومزيد علم دنيا وبرزخا وآخرة والآلات مصاحبة لا تنفك في هذه المنازل والمواطن والحالات عن هذه اللطيفة الإنسانية ثم إن الشقاء لهذه اللطيفة أمر عارض يعرض لها كما يعرض المرض في الدنيا لها لفساد هذه الأخلاط بزيادة أو نقص فإذا زيد في الناقص أو نقص من الزائد وحصل الاعتدال زال المرض وظهرت الصحة كذلك ما يطرأ عليها في الآخرة من الشقاء ثم المال إلى السعادة وهي استقامة النشأة في أي دار كان من جنة أو نار إذ قد ثبت أنه لكل واحد من الدارين ملؤها فالله يجعلنا ممن حفظت عليه صحة مزاج معارفه وعلومه فهذا طرف من حقيقة مسمى اللطيفة الإنسانية بل كل موجود من الأجسام له لطيفة روحانية إلهية تنظر إليه من حيث صورته لا بد من ذلك وفساد الصورة والهيئة موت حيث كان وأما اصطلاحهم اللطيفة على المعنى الآخر الذي هو كل إشارة تلوح في الفهم لا تسعها العبارة فاعلم إن أهل الله قد جعلوا الإشارة نداء على رأس البعد وبوحا بعين العلة ولكن في التقسيم في الإشارات يظهر فرقان وذلك أن الإشارة التي هي نداء على رأس البعد فهو حمل ما لا تبلغه العبارة كما إن الإشارة للذي لا يبلغه الصوت لبعد المسافة وهو ذو بصر فيشار إليه بما يراد منه فيفهم فهذا معنى قولهم نداء على رأس البعد فكل ما لا تسعه عبارة من العلوم فهو بمنزلة من لم يبلغه الصوت فهو بعيد عن المشير وليس ببعيد عما يراد منه فإن الإشارة قد أفهمته ما يفهمه الكلام أو يبلغه الصوت وقد علمت قطعا أن المشير إذا كان الحق فإنه بعيد عن الحد الذي يتميز به العبد فهذا بعد حقيقي لا بد منه ولا يكون الأمر إلا هكذا فلا بد من الإشارة وهي اللطيفة فإنه معنى لطيف لا يشعر به ثم إنه وإن لم يكن بعد فهو بوح بعين العلة وذلك أن الأصم يكون قريبا من المتكلم ولكن قربه لا تقع به الفائدة لأنه لا يصل إليه الصوت لعلة الصمم فيشير إليه مع القرب كما يقول الحق على لسان عبده سمع الله لمن حمده فهذا غاية القرب مع وجود العلة وظهورها وأكثر من هذا القرب ما يكون فإنه هو مع قوله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ففرق وفصل وأين هذا ممن جعل قوله قوله وأنه المتكلم والقائل لا هو فهذا قرب معلول فهو قولهم وبوح بعين العلة ولهذا سميت لطيفة لأنها أدرجت الرب في العبد فقال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وكان المتكلم محمدا صلى الله
(٥٠٤)