لا معجزة ومنها ما تكون كرامة ومنها ما تكون مؤيدة ومنها ما تكون منبهة وباعثة ومنها ما يكون جزاء ومنها ما يكون مكرا واستدراجا وكلها لها علامات عند أهل الله مع كون هؤلاء لا علم لهم بشئ من ذلك بخلاف الصنف الأول فإنهم على علم ما يصدر منهم وما من شئ مما ذكرناه في الصنف الثاني المضاف عمله إلى الله تعالى إلا والاحتمال يدخله هل هو عن عناية أولا عن عناية إلا المعجزة والآية فإنها عن عناية ولا بد إنها الصدق المخبر والمؤيدة كذلك وما عدا هذين فيتطرق إليه الاحتمال كما ذكرنا ثم نرجع إلى ما تقضي به طريقنا إن خرق العادة في الأولياء لا يكون إلا لمن خرق العادة في نفسه بإخراجها عن حكم ما تعطيه حقيقتها وهو تصرفها في المباح أو ما يلقي إليها الشيطان بالتزيين من إتيان المحظور أو ترك الواجب فمن خرق في نفسه هذه العادة خرق الله له عادة في الكون بأمر يسمى كلاما على الخاطر أو مشيا في الهواء أو ما كان وقد ذكرنا فصول هذه الكرامات وبينا مراتبها وما ينتجها في كتاب مواقع النجوم ما سبقنا إليه في علمنا أعني إلى ترتيبه لا إلى علم ما فيه وهو كتاب صحيح الطريق عظيم الفائدة صغير الجرم بنيناه على المناسبة فإن المناسبة أصل وجود العالم وخرق العوائد من العالم وقد جعل الله آياته في العالم معتادة وغير معتادة فالمعتادة لا يعتبرها إلا أهل الفهم عن الله خاصة وما سواهم فلا علم لهم بإرادة الله فيها وقد ملأ الله القرآن من الآيات المعتادة من اختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وإخراج النبات وجرى الجواري في البحر واختلاف الألسنة والألوان والمنام بالليل والنهار لابتغاء الفضل وكل ما ذكر في القرآن أنه آية لقوم يعقلون ويسمعون ويفقهون ويؤمنون ويعلمون ويوقنون ويتفكرون ومع هذا كله فلا يرفع بذلك أحد من الناس رأسا إلا أهل الله وهم أهل القرآن خاصة الله وأما الآيات الغير المعتادة وهي خرق العوائد فهي التي تؤثر في نفوس العامة مثل الزلازل والرجفات والكسوف ونطق حيوان ومشي على ماء واختراق هواء وإعلام بكوائن في المستقبل تقع على حد ما أعلم والكلام على الخواطر والأكل من الكون وإشباع القليل من الطعام الكثير من الناس هذا تعتبره العامة خاصة ومتى لم يكن خرق العادة عن استقامة أو منبها وباعثا على الرجوع إلى الله ويرجع وليس له فيه تعمل فهو مكر واستدراج من حيث لا يعلم وهذا هو الكيد المتين تحف الله مع المخالفات وفيه سر عجيب للعارفين لولا ما في إذاعته من الضرر في العموم لذكرناه وما كل ما يدرى يقال وليس خرق العوائد إلا أول مرة فإذا عاد ثانية صار عادة وأما في الحقيقة فالأمر جديد أبدا وما ثم ما يعود فما ثم خرق عادة وإنما هو أمر يظهر زي مثله لا عينه فلم يعد فما هو عادة فلو عاد لكان عادة وانحجب الناس عن هذه الحقيقة وقد نبهتك على ما هو الأمر عليه إن كنت تعقل ما أقول فالألوهة أوسع من أن تعيد ولكن الأمثال حجب على أعين العمي الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة وهو وجود عين المثل الثاني هم غافلون فهم في لبس من خلق جديد فالممكنات غير متناهية والقدرة نافذة والحق خلاق فأين التكرار إذ لا يعقل إلا بالإعادة فالإعادة خرق العادة (انتهى النصف الأول من الجزء الثاني من الفتوحات المكية ويليه النصف الثاني أوله الباب السابع والثمانون ومائة في معرفة مقام المعجزة)
(٣٧٢)