من سواد وحمرة وصفرة وغير ذلك فمنه ما يكون لونا قائما بالمحل ومنه ما يكون لونا في ناظر العين وليس كذلك في نفس المتلون كسواد الجبال البيض على البعد فإذا جئتها رأيتها بيضا وقد كنت تحكم عليها بالسواد وأنت غالط في ذلك الحكم وصحيح في ظهور السواد به مصيب والكيفية في ذلك مجهولة وبهذه المثابة زرقة السماء إنما هي لنظر العين وإن كانت في نفسها على لون يخالف الزرقة وأما اختياره من الملائكة الروح لأنه المنفوخ فيه في كل صورة ملكية وفلكية وعنصرية ومادية وطبيعية وبها حياة الأشياء وهو الروح المضاف إليه وهو نفس الرحمن الذي يكون عنه الحياة والحياة نعيم والنعيم ملتذ به والالتذاذ بحسب المزاج كما قلنا في مزاج المقرور يتنعم بما به يتعذب المحرور فافهم ويكفيك تنبيه الشارع لو كنت تفهم بأن للنار أهلا هم أهلها وللجنة أهلا هم أهلها وذكر في أهل النار أنهم لا يموتون فيها ولا يحيون فهم يطلبون النعيم بالنار لوجود البرد وهذا من حكم المزاج وأما اختياره البراق من المراكب لكونه مركب المعارج فجمع بين ذوات الأربع وذوات الجناح فهو علوي سفلي كبعض الحيوانات بري بحري وأما اختياره دعاء يوم عرفة فإنه دعاء في حال تجريد وذلة وخضوع في موطن معرفة ليوم زماني لما فيه من الجمع بين الليل والنهار وأما اختياره قل هو الله أحد فلأنها مخصوصة به ليس فيها ذكر كون من الأكوان إلا أحدية كل أحد إنها لا تشبه أحديته تعالى خاصة وفي إتيانها في هذه السورة علم غريب لمن فتح الله به عليه فإنه افتتح السورة بأحديته وختمها بأحدية المخلوقين فاعلم أن الكائنات مرتبطة به ارتباط الآخر بالأول لا ارتباط الأول بالآخر فإن الآخر يطلب الأول والأول لا يطلب الآخر فهو الغني عن العالمين من ذاته ويطلب الآخر من مسمى الله المنعوت بالأحدية فهذا قد نبهتك على مأخذ هذا العلم الذي تحويه هذه السورة بالأحدية المتأخرة التي هي مع ارتباطها بالأول لا تماثلها لكونها تطلبه ولا يطلبها أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وأما اختياره من الآي آية الكرسي الآيات العلامات ولا شئ أدل على الشئ من نفسه وهذه آية الكرسي كلها أسماؤه أو صفته لا يوجد ذلك في غيرها من الآيات فدل على نفسه بنفسه الله لا إله إلا هو فنفى وأثبت بضمير غائب على اسم حاضر له مسمى غيب الحي صفة شرطية في وجود ما له من الأسماء القيوم على كل ما سواه بما كسب فإنه أعطى كل شئ خلقه لا تأخذه سنة ولا نوم صفة تنزيه عما يناقض حفظ العالم الذي لولا قيوميته ما بقي لحظة واحدة له الضمير يعود عليه وهو ضمير غيب ما في السماوات وما في الأرض ملكا له وعبدا معين الحفظ لبقاء الحكم بالألوهة من ذا الذي يشفع شفعية الوتر بالحكم عنده ضمير غيب إلا بإذنه عدم الاستقلال بالحكم دونه فلا بد من إذنه إذ كان ثم شفيع أو شفعاء يعلم ما في السماوات وما في الأرض من الشفعاء والمشفوع فيهم يعلم ما بين أيديهم وهو ما هم فيه وما خلفهم وهو ما يؤولون إليه ولا يحيطون بشئ من علمه بالأشياء إلا بما شاء منها لا بكلها وسع كرسيه علمه السماوات والأرض العلو والسفل ولا يؤده يثقله حفظهما لأنه حفظ ذاتي معنوي وإمداد غيبي وخلق دائم في سفل وعلو وهو ضمير غيب العلي بغناه عن خلقه من ذاته العظيم في قلوب العارفين بجلاله فله الهيبة فيها فهي آية ذكر الله فيها ما بين اسم ظاهر ومضمر في ستة عشر موضعا من هذه الآية لا تجد ذلك في غيرها من الآيات منها خمسة أسماء ظاهرة الله الحي القيوم العلي العظيم ومنها تسعة ضميرها ظاهر فهي مضمرة في الظاهر ومنها اثنان مضمران في الباطن لا عين لها في الظاهر وهما ضمير العلم والمشيئة وكذلك علمه ومشيئته لا يعلمها إلا هو فلا يعلم أحد ما في علمه ولا ما في مشيئته إلا بعد ظهور المعلوم بوقوع المراد لا غير فلذلك لم يظهر الضمير فيها وأما اختاره يس من القرآن فلأنها قلب القرآن ومن قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات والقلب أشرف ما في الصورة الصادية كذلك السورة السينية وهي المنزلة ولها من الأبراج بيت شرف الشمس وهو برج الأولية زمان الربيع إقبال النش ء وظهور البدء وابتداء زينة عالم الطبيعة وتلطيف بخارات الأنفاس التي كثفها زمان الشتاء لبرودة الجو كان يعطي الجمد في البخارات الخارجة من المتنفسين عند ما تخرج يكثفها ثم يردها ما وهو ما تجد في يديك إذا تنفست فيه في زمان الشتاء من النداوة وله الشؤون الإلهية التي لا يزال في كل نفس فيها جل جلاله وأما اختياره من الكلام القرآن وهو الذي له صفة الجمع وفي الجمع عين الفرقان إذ الجمع دليل الكثرة
(١٧٢)