حال عدمه وهي مسألة دقيقة في الترجيح في حال العدم وبذلك الافتقار الذاتي الذي في الممكن قبل الوجود إذا أراده الحق منه وأسرع إليه بحكم الإثبات الذي هو عليه وأما النور المختار من الأنوار فإن الأنوار حجب ولذلك قال في الأنوار الحجابية نور إني أراه ثم وعد بالرؤية وهو نور فلا بد أن يكون النور الذي يظهر فيه لعباده مختارا من تلك الأنوار الحجابية كنور الأحدية والعزة والكبرياء والعظمة فهذه كلها ترفع عن البصر ويبقى حكمها في القلب فبرفعها تقع الرؤية للحق تعالى ويبقى حكمها في القلب ويفنى العبيد عن الرؤية ولولا ذلك لشهدوا نفوسهم عند شهوده وأما اختياره الصورة الآدمية فلأنه خلق آدم على صورته فأطلق عليه جميع أسمائه الحسنى وبقوتها حمل الأمانة المعروضة وما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السماوات والأرض والجبال حملها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما لو لم يحملها جهولا لأن العلم بالله عين الجهل به العجز عن درك الإدراك إدراك فإنه إذا علم إن ثم ما لم يعلم فما علم وهو العلم بأن ثم ما لا يعلم وليس لعلمه متعلق إلا الجهل به وأما اختياره البراهين الوجودية من البراهين الجدلية وغيرها فلما تعطيه من تمام العلم بثبوت الحق وإبطال حجة الخصم والبراهين الجدلية ليست لها هذه القوة فإنها تبطل حجة الخصم وقد لا تثبت حقا والبراهين السوفسطائية تنتج حيرة وهي أقرب إلى البراهين الوجودية في العلم الإلهي من وجه من البراهين الجدلية وأما اختياره الشريعة المنزلة فلما لها من عموم التعلق بالدار الآخرة ومصالح الدنيا وليست النواميس الحكمية الموضوعة لمصالح الدنيا وبقاء الخير في عالم الدنيا لها حكم لتحكم على الله بالقرب الإلهي وقبول الأعمال ورفع الدرجات وإثبات الجنات ودار الشقاء لا يستقل بذلك كله إلا الشرع المنزل من عند الله وأما الذين ابتدعوا عبادات ورعوها حق رعايتها ابتغاء رضوان الله مما لم يكتبها الله عليهم فهم أصحاب شرع منزل من عند الله فسنوا فيه سننا حسنة مناسبة لما سنها الشرع بالشرع المنزل فيهم وأباح لهم أن يسنوا وأما النواميس الحكمية فما هي التي سنها هؤلاء ولهذا جعل لهم الأجر وأما اختياره الحركة المستقيمة فإنه على صراط مستقيم كما قال عن نفسه واختص بها الإنسان الذي خلقه الله على صورة الحق وفيها يحشر السعيد يوم القيامة فهي له دنيا وآخرة فإن المجرمين يحشرون منكوسين وهي الحركة المنكوسة كما قال تعالى في حق المجرمين ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم والحركة المعوجة الأفقية في البهائم فلم تصح الحركة المستقيمة إلا لمن خلقه الله على الصورة وذلك الإنسان الكامل الذي له هذه الصفة في الدنيا والآخرة ولهذا خص بها ذكر آدم لأنه من أهل السعادة التي تبقي عليه هذه الحركة المستقيمة ولهذا نعت بالخلافة وأما اختياره الشمس فلما لها من الإمداد في جميع الكواكب المستنيرة علوا وسفلا ولهذا قال إبراهيم ع هذا أكبر واختصت على المذهبين بالقلب من الكرة وهي السماء الرابعة وفيها إدريس عليه السلام والله قد ذكر أنه رفعه مكانا عليا فعلو هذا المكان من كونه قلب الأفلاك فهو مكان عال بالمكانة وما فوقه وإن كان دونه فهو أعلى بالمسافة وبنسبته إلى رؤسنا وهو الذي أحدث الليل والنهار بطلوعه وغروبه الذي جعل الله لهما الغشيان وهو النكاح والإيلاج لظهور أعيان المولدات وما يحدث الله في الليل والنهار من المخلوقات عن هذا الإيلاج والغشيان وجعل لكل واحد من هذين الموجودين عن الحركة الشمسية الطلب الحثيث لإبراز أعيان الحوادث عن هذا الطلب وأما اختياره محمدا ص فلما اقتضاه مزاجه دون الأمزجة الإنسانية من الكمال والاعتدال إذ به شاهد نبوته وآدم بين الماء والطين وهو متفرق الأجزاء في المولدات العنصرية وهي مسألة دقيقة لا يعرفها إلا من عرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم فقالوا بلي وهي الفطرة التي ولد الناس عليها وإليها ينتهون وفي هذا الجمع قال الأرواح أجناد مجندة ولما جمعهم جمعهم في حضرة التمثيل فما كان وجها لوجه هناك تعارفوا هنا وما وقع ظهر الظهر هناك تناكر هنا وما بينهما من وجه إلى ظهر وجانب وغير ذلك وفي هذا أقول إن القلوب لا جناد مجندة في حضرة الجمع تبدو ثم تنصرف فما تعارف منها فهو مؤتلف وما تناكر منها فهو مختلف وإن كل أحد يقر بهذه الشهادة في الآخرة ولا ينكر ولا يدعي لنفسه ربوبية يقول تعالى إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين
(١٧٠)