كرسيه تخزن الأكوان فيه ولا * يؤده حفظ شئ ضمه عدد هذا المقام يسمى مقام القيومية واختلف أصحابنا هل يتخلق به أم لا ولقيت أبا عبد الله بن جنيد من شيوخ الطائفة من أهل قبرفيق من أعمال رندة وكان معتزلي المذهب فرأيته يمنع من التخلق بالقيومية فرددته عن ذلك من مذهبه فإنه كان يقول بخلق الأفعال للعباد فلما رجع إلى قولنا وأبنت له معنى قوله تعالى الرجال قوامون على النساء فقد أثبت لهم درجة في القيومية وكان قد أتى إلى زيارتنا فلما رجع إلى بلده مشيت إلى زيارته في بلده فرددته وجميع أصحابه عن مذهبه في خلق الأفعال فشكر الله على ذلك رحمه الله فيتخيل من لا معرفة له بالحقائق أنها من خصائص الحق ولا فرق عندنا بينها وبين سائر الأسماء الإلهية كلها في التخلق بها على ما تعطيه حقيقة الخلق كما هي لله بحسب ما تعطيه ذاته تعالى وتقدس والسهر من أحد الأربعة الأركان التي قام عليها بيت الأبدال وهي السهر والجوع والصمت والعزلة وقد أفردنا لمعرفة هذه الأربعة جزءا عملناه بالطائف سميناه حلية الأبدال ونظمناها في أبيات في الجزء المذكور سؤال صاحبي عبد الله بدر الخادم ومحمد بن خالد الصدفي وهذه هي الأبيات يا من أراد منازل الأبدال * من غير قصد منه للأعمال لا تطمعن بها فلست من أهلها * إن لم تزاحمهم على الأحوال بيت الولاية قسمت أركانه * ساداتنا فيه من الأبدال ما بين صمت واعتزال دائم * والجوع والسهر النزيه العالي فجعلوا السهر ركنا من أركان المقام الذي يكون من صفات الأبدال وآيتهم من كتاب الله تعالى سيدة آي القرآن الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم إلى قوله تعالى ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم فانظر ما أعجب هذه الآية ولهذه الصفة عنت الوجوه منا والمراد بالوجوه حقائقنا إذ وجه الشئ حقيقته فقال تعالى وعنت الوجوه للحي القيوم وقال كل شئ هالك إلا وجهه فإذا لم يحفظ العبد بسهر قلبه ذاته الباطنة كما يحفظ بسهر عينه ذاته الظاهرة وإن كان نائما فيكون ممن ينام عينه ولا ينام قلبه ويحفظ غيره بحفظه فما سهر من ليست هذه صفته وتكون الخمسة من الأعداد أتم منه في مقامها في حفظها نفسها وغيرها ومن لا يقدر أن يكون له درجة الخمسة من العدد وهي جزء مما لا يتناهى فإنها جزء من العدد والعدد لا نهاية له فكيف يتمكن له أن يتخلق بالقيومية مطلقا ليس ذلك في وسع البشر مثل الكلام سواء وغاية من يقوم بها قطب الوقت فإن له الأكثر فيها من سواه فالذي يتعين علينا حفظ هذه الصفة فنحن نسهر لحفظ الكون وإقامته ما يلزمنا أكثر من هذا والله حفيظ عليم لا نحن فإذا قامت هذه الصفة بنا فقد وفينا المقام حقه فينبغي لصاحب هذا المقام إذا سهر أن يسهر بعين الله وعين الله حافظته بلا شك الحفظ الذي يعلمه الله لا الحفظ العرضي فإن الله تعالى ما رأيناه يحفظ على كل عين صورتها بل الواقع غير ذلك وهو مطلق الحفظ فاذن ليس الحفظ ما يتخيل من حفظ الصور على أعيانها وإنما ينظر صاحب هذا المقام إلى الحفظ المطلق وينظر في المحفوظ وإذا كان من عالم التغيير والاستحالات فيحفظ عليه التغيير والاستحالات فإن لم يتغير ولا استحال فما حفظ عليه ما تستحقه ذاته فينظر صاحب هذا المقام مراتب الموجودات ويكون حفظه في سهره بحسب ما تعطيه رتبة ذلك العالم ولا يلتفت إلى أغراض أشخاص ذلك النوع فإن الضدين لا يجتمعان فإذا أراد السكون أن يحفظ عليه ذاته في ساكن معين لم يتمكن أن يجيبه إلى ذلك فإن الساكن مأمور من الله بتغيير حاله من سكون إلى قيام لصلاة أو لأمر مشروع أو طبع كقضاء حاجته ولا يكون هذا إلا بأن يتغير وينتقل إلى حكم الحركة وكذلك المتحرك إذا توجه عليه الأمر بالسكون فالحافظ هنا إنما يحفظ عليه حكم التغيير فإن لم يحفظ عليه ذلك فما سهر ولا تحقق بالقيومية فهذا ما يعطيه مقام السهر وحاله فافهم فإنه ما من مقام وإلا ويتسع المجال فيه لو تكلمنا على تفاصيله لكن نومئ إلى ما لا بد منه في كل مقام وحال بأمر كلي تقع به المنفعة ويندرج فيه كل تفصيل يحتمله فإذا بحثت عليه في كلامنا تجدنا قد وفينا المقصود انتهى الجزء السادس والتسعون
(١٨٢)