وبخاصة فيمن كان كبده وطحاله وكلاه بها آفة متقدمة أو ضعف حاضر أو كان جوفه متهيئا لقبول الرياح والنفخ لزيادة رطوبتها وضعف القوة الهاضمة فيها.
ولذلك وجب على من كان مزاجه غليظا مرطوبا ان يحذر الاقدام عليه، لان من كان مزاجه كذلك، لا يأمن فيه، من إدمانه عليه، حدوث الاستسقاء اللحمي. والسبب في ذلك: أنه لغلظه وحلاوته يملي العروق دما غليظا ويشبع بغلظه ويغلظ البخارات ويمنع من تحليلها ويحدث في تخلخل النجو وسائر الأعضاء رياحا بخارية رطبة. وعن مثل هذه الرياح يكون النفخ والسدد فقط، لكن يولد رياحا نافخة وسددا في الكبد والطحال وسائر الأعضاء خلا الرئة، فإنه مفتح لسددها. والسبب في توليده السدد في الكبد وتفتيحه لسدد الرئة أن نفوذه في الكبد يبتدئ في عروق عظام واسعة مثل العرق الأعظم المعروف بالنواب. فإذا انهضم هناك صار إلى عروقها الدقاق والضيقة التي في جانب الكبد المقعر وجانبها المسنم. فإذا نفذ فيها لم تنفذ معه الأثفال لغلظها وضيق المجاري بها، ولبث هناك زمانا وولدت سددا وانزماما (1) تحتاج إلى ما يقطع الفضول ويلطفها ويطرق الأثفال ويسهل نفوذها وخروجها.
ولا شئ أخص بذلك من الأشياء الحامضة القطاعة الملطفة، ولذلك الاسكنجبين أفضل الأشياء لمن كانت هذه حاله، وبخاصة الاسكنجبين الساذج المتخذ بخل العنصلان، الا ان يكون في مزاج صاحبه من الحرارة ما يمنع من استعمال خل العنصلان، فيقتصر على الخل الساذج فقط.
وأما نفوذه في الرئة فليس كذلك، لأنه انما ينفذ بدءا في عروق دقاق ومجاري ضيقة. فإذا انهضم فيها ولطف صار إلى قصبة واسعة ونفذ فيها، ونفذ معه في ممره وسلوكه ما كان معه من الأخلاط الغليظة لسعة مجاريها، وخرجت بالنفث والبصاق. ولذلك صار الشراب الحلو مخصوصا (2) بتسهيل النفث وتنقية الرئة وتفتيح سددها الا فيمن كان هذا الشراب يحدث به عطشا، فإنه غير معين على نفث من كان كذلك، لأنه يزيد في حرارة مزاجه ويحدث حمى. وإذا صارت حرارة مزاج صاحب هذه الحالة من القوة، جففت رطوبة البصاق وغلظته وصيرته بمنزلة الطين الراسخ ولجج في قنوات الرئة ولصق وصار عليها بمنزلة الغذاء والدبق وعسر خروجه بالنفث واحتاج إلى ما يلينه ويرطبه ترطيبا معتدلا، ثم إلى ما يلطف ويقطع ويطرق للنفث ويسهل خروجه، والا لم يؤمن أن يهيج من السعال ما يفتق عروق الصدر ويشقها ولذلك صار من الأفضل، لمن كانت هذه حاله، أن يقدم بدءا حسو الشعير المحكم الصنعة، ويشرب باللوز المقشر من قشرته والسكر الطبرزد ثم يتبعه بالاسكنجبين السكري الساذج.
وقد يستدل على الشراب الحلو من ثلاثة وجوه: إما من طعمه، وإما من لونه، وإما من قوامه.
فأما طعمه فالامر فيه بين لوقوعه تحت الحسن. ولذلك لا يدخله شك في ذاته لفساد يعرض للحاسة، إما