القول في الحنطة الرطبة والحنطة المسلوقة بالماء أما الحنطة الرطبة المعروفة بالستول، فإنها إذا أكلت، كان الغذاء المتولد عنها يسيرا نيا بلغمانيا كثير النفخ والقراقر مضرا (1) بالجنبين سريع القبول للعفونة. والدليل على ذلك، ما يتولد منه في البطن من الدود وحب القرع، فإن هي حمصت أو شويت بالنار حتى يزول عنها أكثر رطوبتها الفضلية اللينة، ازداد غذاؤها، ولطفت وقلت رياحها، وارتفعت عنها العفونة، وقويت على حبس البطن، إلا أن انهضامها يكون عسيرا.
وأما الحنطة المسلوقة، فثقيلة جدا كثيرة النفخ والقراقر عسيرة الانهضام والانحدار (2)، في غاية الغلظ واللزوجة، ولا سيما إذا كانت الحنطة علكة في جنسها رزينة مكتنزة كثيرة اللباب قليلة النخالة، إلا أنها إذا انهضمت وجاد استمراؤها، غذت البدن غذاء كثيرا قويا بعيد الانحلال من الأعضاء زائدا في شدتها. ومن أجل ذلك وجب ألا يستعملها إلا الفلاحون وأمثالهم من أهل التعب والرياضة.
ولجالينوس من هذه الحنطة المسلوقة خبر قال فيه: إني لم أكن أظن أنه يستغنى بالحنطة المسلوقة عن الطعام ولا أنها تقع موقع الغذاء، ولا كنت أحسب أنه يستقيم لاحد أن يستعملها عوضا من الخبز، حتى خرجت في بعض الأيام أنا وفتيان من أترابي، فوجدت علوجا (3) يحتاجون إلى العشاء ولم يكن معهم خبز، فأخذوا حنطة وسلقوها بالماء وجعلوا معها ملحا وطلبوا إلي وإلى من كان معي لنأكل معهم، فأكلنا وأكثرنا منها، لأنا كنا جياعا حسرى (4) شاخصين من تعب. فلما كان بعد قليل، حسسنا في