في تقدير الغذاء على حسب أوقات السنة قال إسحاق بن سليمان: أجمع الأوائل على أنه لا ينبغي أن نقتصر في تدبير الغذاء، وما نتناول منه في كميته وكيفيته، على الوقوف على مزاجات الأبدان فقط، دون البحث والنظر عن أوقات السنة، ومزاج الهواء الحاضر، لان من الواجب أن نحذر في الخريف دائما كل طعام مجفف مناسب للمرة السوداء، ونتجنب ذلك في الشتاء، من قبل أن مشاكلة هذا النوع من الأغذية لمزاج الخريف بالكيفيتين جميعا، أعني بالبرودة واليبوسة، ولمزاج الشتاء بكيفية واحدة، أعني بالبرودة فقط، ولذلك صار إضرارها في الخريف أكثر من إضرارها في الشتاء بيسير لا بالكثير. من قبل أن الكيفية التي يشاكل بها الشتاء هي الكيفية الفاعلة. والكيفية الفاعلة أقوى فعلا وأسرع تأثيرا من الكيفية المنفعلة. وأما الصيف، فإنا نأمر فيه بالأغذية المبردة المرطبة ونمنع فيها في الشتاء لمخالفتها لمزاج الصيف بالطبع، ومشاكلتها لمزاج الشتاء.
وأما الربيع، ففيه نظر لأنه ربما كان طبيعيا معتدلا لا تعلو منه كيفية على كيفية. وربما كان حائدا عن الاعتدال قليلا إلى إحدى (1) الكيفيات، إما إلى الحرارة، وإما إلى البرودة، وإما إلى الرطوبة، وإما إلى اليبوسة. فإذا كان طبيعيا معتدلا لا تعلو منه كيفية على كيفية، قابلناه من الأغذية بما لاءم مزاجه وشاكله وقواه، مثل الأغذية المعتدلة المزاج، البعيدة من الأطراف بعدا متساويا، مثل الجدي الرضع والعجول الكذلك. ومنه ما يوصف بالتوسط لشيئين، إما لأنه متوسط بين الحواشي والأطراف، وإن كان إلى أحدهما أميل قليلا، مثل لحم الضأن، المائل إلى الحرارة قليلا، وإن كان معتدلا، وكشك الشعير ولباب الخبز المغسول بالماء مرات، المائلين (2) إلى البرودة قليلا، وإن كانا معتدلين. وإما لأنه مركب من شيئين مضادين في القوة، وقابل من كل واحد منهما بقسطه، فهو معتدل بالإضافة إلى كل واحد منهما على الانفراد، مثل الغذاء المركب من الشعير المطبوخ بالعدس، لأنه متوسط بين رخاوة الشعير وليانته، وقحل العدس وصلابته. وكذلك الغذاء المتولد من العدس المطبوخ بالسلق، فإنه معتدل محمود لتوسطه بين برودة العدس ويبسه، وحرارة السلق وتليينه.