الباب في البقول في الخس فأما الخس فيكون على ضربين: لان منه الريفي ومنه البري. فأما الريفي فإنه وإن كان الغالب على مزاجه البرودة والرطوبة، فإن برودته ليست في الغاية لأنه لو كان في الغاية على ما في الخس من الخاصية في إخدار الحس، لما أمكن أكله، ولخرج من حد ما يغتذى به إلى حد الأدوية السمية، ولا سيما ما كان منه في آخر زمانه وقد عصا وتولدت فيه اللبنية المعروفة بالأفيون. ولذلك صيرت الأوائل برودته في الدرجة الثانية ومثلتها ببرودة ماء الغدران، لان ماء الغدران أقل برودة من ماء الأنهار والخلجان لتمكن حرارة الشمس في ماء الغدران ووصولها إلى عمقه لقلته ومخالطة بخار الأرض له لقربه منها ومجاورته للحمأة فيها.
ولما كان الخس في برودته ورطوبته في غاية التوسط والاعتدال، صار الدم المتولد عنه أفضل وأحمد من الدم المتولد عن سائر البقول، لان سائر البقول تولد دما يسيرا مذموما لكثرة رطوبتها. والخس يولد دما ليس باليسير ولا بالردئ وإن لم يكن في الغاية من الجودة، لأنه في الجملة مائل إلى الرطوبة وإن كان هذا لا يحطه عن مرتبة ما هو محمود الغذاء، إذ لم ننسبه إلى الرداءة إلا من هنا فقط، أعني من جهة رطوبته.
ومن قبل ذلك صار أكله بحاله التي يقلع بها من الأرض أفضل من أكله بعد غسله بالماء، لان الماء يزيد في رطوبته ويقوى إضراره بالمعدة. وكذلك يفعل الماء بسائر البقول إذا غسلت به، لأنه زائد في رطوبتهما وفسادهما. إلا أن الخس في الجملة سريع الانهضام مدر للبول دابغ للمعدة لتسكينه للذع العارض فيها من حدة المرة وحرافتها. ولذلك صار مسكنا للعطش مطفئا لحدة الدم والتهابه متى لم يكن التهابه من شرب الشراب، لان التهاب الدم العارض عن شرب الشراب، الخس زائد فيه بالعرض لا بالطبع لأنه يفجج الشراب ويمنع من كمال هضمه. وإذا تفجج الشراب ولم ينهضم، زاد في غليان الدم وفورانه. ولذلك صار أخذ الخس بعد شرب الشراب، أو بين شرابين، مذموما. وإذا استعمل على غير الشراب ولا امتلاء