الباب الخامس عشر في اختلاف أعضاء الحيوان وما يختص به كل واحد منها دون غيره من جودة الغذاء ورداءته وسرعة الاستمراء وإبطائه أما أعضاء الحيوان فإن بعضها يخالف بعضا لوجوده ثلاثة: أحدها: من تركيبها، والثاني: من حركتها وسكونها، والثالث: من مواضعها وأماكنها.
فأما تركيب الأعضاء فيكون على ثلاثة ضروب: وذلك أن منها ما تركيبه يابس عصبي مثل الجلود والكروش والمعاء والأعصاب والغضاريف (1). ومنها ما تركيبه لين رخو مثل الشحم والمخ والدماغ والنخاع. ومنها ما تركيبه معتدل متوسط بين الصلابة والليانة مثل لحم العضل وسائر اللحمان المعرى من الشحم وبخاصة متى كانت من حيوان معتدل في السمن. فما كان من الأعضاء تركيبه يابسا عصبيا، كان الغالب على مزاجه البرودة واليبوسة. ولذلك صار أعسر انهضاما وأكثر أتعابا للمعدة وأبعد من الاستحالة إلى الدم، لان ما كان من الغذاء في طبيعته يابسا قليل الدم والرطوبة، احتاج قبل استحكام نضجه وانتقاله إلى الدم، إلى مدة أطول. ولذلك صار ما يتولد منه من الغذاء يسيرا لان مقدار له (2) عند الطباع وبخاصة متى كان من حيوان مهزول أو حيوان هرم أو حيوان يابس المزاج بالطبع مثل البقر والماعز.
واما ما كان من حيوان فتي، أو حيوان صغير، أو حيوان سمين، أو أرطب مزاجا بالطبع مثل الضأن، فإنه إذا انهضم غذى غذاء كثيرا طويل اللبث في الأعضاء، بعيد الانحلال منها. من قبل أن يبس مزاج الأعضاء يعتدل برطوبة مزاج الحيوان أو برطوبة الشحم إن كان الحيوان سمينا. ولذلك صارت الأعضاء الصلبة العصبية من الضأن أكثر تغذية وتقوية للأعضاء منها إذا كانت من حيوان آخر.
وأما ما كان من الأعضاء تركيبه لينا رخوا، فان الغالب على مزاجه الحرارة والرطوبة، أو الرطوبة