واحدة منهما بقسطه على حسب توسطه بينهما على الحقيقة وانحرافه إلى إحداهما دون الأخرى.
وإذ أتينا على ما أردنا إيضاحه من الأصول التي يختلف فيها الشراب، وهي بسائط مفردات، فقد بقي أن يستمر القول عليها وهي مركبة وممتزجة، إذ من الممتنع وجود شراب بلون من الألوان معرى من الطعم والرائحة والقوام، ولا وجوده بطعم من الطعوم وهو معرى من الرائحة واللون والقوام، ولا برائحة وقوام معرى من اللون والطعم.
ويصير ابتداء كلامنا بالشراب الأبيض والأسود لأنهما الحاشيتان والطرفان (1)، وما سوى ذلك من الألوان فمركب منهما.
* * * في الشراب الأبيض أما الشراب الأبيض فالأخص منه ضعف الحرارة وتفاهة الطعم وقلة الاحتمال للمزاج، وقلما يكون حلوا أو عفصا أو غليظا. فما كان رقيقا ضعيف الحرارة تفه الطعم، قليل الاحتمال للمزاج، كان أقل الأشربة حرارة وأسرعها انهضاما وانحدارا وجولانا في البدن ونفاذا في العروق وأقلها لبثا في الأعضاء. ولذلك صار أضعفها غذاء وأكثرها تمكينا للحرارة والعطش وأدرهما للبول. وما كان منه (2) قابضا، كان قوامه، لا محالة، غليظا. ولذلك قال جالينوس: وليس يكاد أن يوجد شراب أبيض قابض إلا غليظا. وما كان كذلك، كان أزيد لغذائه وأفسد لجوهره وأعسر لانهضامه وانحداره وأمنع من درور البول وأبعد من الترقي إلى الرأس وأعون على حبس البطن، إلا أن ذلك فيه قليل لقربه من لون الماء وخفته. والأخص به تقوية المعدة والدماغ والنفع من شرب المياه الرديئة الفاسدة السنخية (3) الملحية ودفع الضرر الحادث من شرب الماء القوي البرودة والثلوج، من قبل أن المياه الرديئة إذا شربت استحالت، على ما بينا، وأفسدت جوهر المعدة وأضعفت قوى المعدة وجلبت إليها من البدن كل فضول مرية، كما تنجلب إلى معد المدمنين على الصوم إذا حميت معدهم وضعفت قواها لعوزها الغذاء. فإذا صارت تلك الفضول إلى المعدة، ترقت بخاراتها إلى الدماغ وولدت صداعا. فإذا مزجت بالشراب الأبيض القابض، ألطفها وأهضمها وكسر حدتها بلطافته كما يكسر الماء العذب حدة الشراب الصرف، ثم يقوي المعدة بقبضه وعفوصته ويعينها على دفع مع يؤذيها إلى أسفل. وأما الماء القوي البرودة، فإنه إذا شرب مفردا كان إضراره عظيما، لأنه كثيرا ما يضر بعصب المعدة والصدر ويحدث ضيقا في التنفس وانفتاقا في عروق الصدر، وكثيرا ما يحدث خدرا وكزازا وتشنجا وفالجا. فإذا خالط الشراب، كسر قوة