في البورق أما البورق فهو على ضربين: لان منه البورق على الحقيقة، وسماه جالينوس البورق الإفريقي والبورق الزبدي، ولعل هذا خطأ من الوراقين. وأما أهل مصر فيعرفونه بالنطرون. ومنه نوع سماه جالينوس زبد البورق وهو البورق الأرمني. فأما البورق الريفي (1) فجامد مجتمع صلب. والمختار منه يعلو لونه تورد قليل، وغير المختار منه رمادي اللون ترابي، فيه تجفة قليلة. وأما زبد البورق فمنظره منظر دقيق الحنطة لأنه خفيف منطحن. والفرق بين هذين أيضا وبين الملح، أن الملح قوته مركبة لان فيه، مع حرارته، كيفية قابضة يقوي بها الأبدان ويجففها ويصلبها. والبورق الريفي فقوته ساذجة بسيطة، لأنها من حرارة مفردة ليس معها قبض ولا تجفيف. ولذلك صار أشد تحليلا وأقوى غسلا وتنقية من الملح.
ومن قبل ذلك يغتسلون به في الحمامات لتحليله وجلائه وغسله الوسخ. وليس إنما يغسل الوسخ فقط، لكنه يشفي الحكة العارضة في سطح البدن، وبخاصة إذا خلط بالخل، لأنه يحلل الرطوبات الصديدية المولدة للحكة ويقطعها وينقيها. ولما فيه من هذه القوة، صار المتطببون يدخلونه في الأدوية المحللة المنقية للعفونة.
وإذا سحق وذر على الشعر، أرقه وأماته (2). أما ازدراده (3) فإنه لا يجب أن يطلق إلا عند الضرورة، لأنه مخصوص بتلذيع عصب المعدة والاضرار به وإحداث القئ والغثي جميعا. وزعم جالينوس عن إنسان من القرويين أنه كان يستعمل هذا البورق في كل وقت في مداواة الاختناق من الفطر فينجح به. وأما زبد البورق فإن قوته متوسطة بين قوة البورق الريفي وبين قوة الملح، لان فيه شيئا من قبض، إلا أن الطلاء عليه أغلب. فإذا أحرق، صار...
(4) لان النار ملطفة ومفيدة جفافا وقوة على التجفيف والتحليل. وإذا ورد البدن منه شئ، كان فعله في تقطيع الأخلاط الغليظة اللزجة وتلطيفها أكثر من فعل الملح كثيرا. والمحرق منه وغير المحرق نافعان من الاختناق العارض من أكل الفطر. والله أعلم.