في اختلاف غذاء الحيوان على حسب المراعي قد تقدم من قولنا أن من الحيوان بري وحضري. وأن دم الحيوان البري أرق وأحد وألطف، إلا أنه أيبس وأجف وأقل غذاء لما بينا من كثرة حركته وحرارة هوائه الذي يأوي فيه، بدوام وقوع الشمس عليه، واتساع مسامه وكثرة ما يتحلل من رطوبات بدنه وفضوله، وقلة أكله وشربه، ولطافة غذائه. وأن دم الحضري على خلاف ذلك لأنه أرطب وأغلظ وأكثر لزوجة وأغذى. ذلك لقلة حرارة هوائه الذي يأوي فيه وضعف حركته، ودوام سكونه، وكثرة أكله وشربه، وضيق مسامه لغلظ غذائه، الا انه ينقسم على ثلاثة أقسام: وذلك أن منه ما يرعى الحشيش الجل العظيم المقدار كالبقر وما شاكلها. ومنه ما يرعى الحشيش الغض القليل المقدار كالضأن وما شاكلها. ومنه ما يرعى أطراف أغصان الأشجار كالماعز وأمثاله.
وما كان منه يرعى الحشيش الجل العظيم المقدار، فأردأ حالاته وقلة لحمه وفساد غذائه يكون في الشتاء وأول الربيع إلى وسطه، لأنه في ذلك الوقت يكون مهزولا مذموم الغذاء لقلة امكان الحشيش الجل في مثل ذلك الزمان. فإذا امتد به الزمان قليلا، وأمكن الحشيش وعظم وسهل وجوده، يخصب بدن هذا النوع من الحيوان ويرطب لحمه ويعذب، وصار ما يتولد منه من الغذاء ألذ وأحمد. ولذلك قال جالينوس:
ان كل حيوان يجد من الغذاء الموافق لمزاجه ما يشبعه، فلحمه ألذ وأحمد. وما لا يجد الغذاء الموافق لمزاجه ما يشبعه، فلحمه أبشع وأردأ.
وما كان من الحيوان يرتعي الحشيش الغض الصغير المقدار، فان أحسن حالاته تكون في أول الربيع ووسطه في الوقت الذي تزهو فيه الأرض وتنور الأعشاب والنبات، وذلك لامكان وجود الحشيش الغض الطري في مثل هذا الوقت من الزمان. وما كانت هذه حاله من الحيوان ففي ذلك الوقت يكون جسمه أعبل (١) ولحمه أعذب وغذاؤه أحمد.
فأما ما كان <من> (2) الحيوان يرتعي أطراف أغصان الأشجار في هذين الوقتين يكون أرطب وألين وأمكن وجودا.