القول في الحنطة قال إسحاق: إن الغذاء لما كان يختلف في جوهريته إلى الجودة والرداءة، وفى كميته إلى (1) القلة والكثرة، وفى كيفيته إلى الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والصلابة والليانة، والكثافة والسخافة، وجب (2) أن تختلف الحنطة أيضا كذلك، إذ كانت أخص الطعوم بتغذية بدن الانسان على ما بينا وأوضحنا من مشاكلتها لمزاج الانسان بالطبع. ولهذا ما أجمع الحكماء عليه، وأبرزهم في ذلك وأخصهم به فيثاغورس على أن (4) الحنطة تختلف في جوهرية غذائها وكميته وكيفيته لوجوه خمسة:
أحدها: من جنسها. والثاني: من تربتها وأرضها التي تنبت فيها. والثالث (5): من طبيعة بلدتها.
والرابع: من طبيعة الهواء الحاضر في مدة نباتها. والخامس من مدة لبثها ومقدار زمانها وقربها من الحصاد، أو بعدها منه.
فأما اختلاف الحنطة من جنسها، فيكون على ضربين: لان منها ما هو مكتنز ملزز (1)، شديد الصلابة، ثقيل الوزن، منيع المكسر، ظاهره شمعي صاف (2)، وباطنه أبيض يلي الزرقة، مستوي السطح صقيل براق يكاد البصر ينفذه لصفائه واستواء سطحه. ومنها ما هو رخو سخيف متخلخل خفيف الوزن سريع المكسر، باطنه خالص البياض خشن السطح، مفرق الاجزاء، أنور للبصر مانع للنور من (3) النفوذ فيها.
فما كان منها مكتنزا صلبا، شمعي اللون، ثقيل الوزن، منيع المكسر، أزرق الداخل، كان دقيقه