ولما كان من الناس من يستعمل هذا المثل ويقول: عالج الخمار بالخمر ويتبع سكر الأول بسكر الأخير، وجب أن يحذر من ذلك ويعرف ما فيه من العاقبة المذمومة القريبة من الخطر، من قبل أن هذا الفعل وإن كان الكثير من الناس قد يستعملونه ويسكنون إليه ويحمدون أثره لصحة أبدانهم وسلامة أدمغتهم، فإن ذلك لا يزيل الخطأ والخطر من فعلهم، لان النبيذ إذا شرب بعقب سكر متقدم وخمار حاضر ودماغ مملوء بخارات لم يؤمن بدءا إضراره بحجب الدماغ ثم بالقلب وسائر الأعضاء إلا أن يثق المستعمل لذلك بقلة فضول بدنه وصحة أعضائها وقوتها، فيستعمل منه اليسير على سبيل الدواء والتحلل بلطيف حرارته غلظ ذلك البخار المولد للخمار ويلطفه ويعين على تحليله ثم ليمنع منه غاية الامتناع، وإلا لم يؤمن عليه أن يصادف في الدماغ وسائر العصب فضل رطوبة فيولد العلة المعروفة بالسكتة، والعلة المعروفة بالفالج، أو يوافي في العصب ضعفا وجفافا فيولد كزازا وتشنجا، أو يصادف في البدن فضل دم قليل مع ضعف في آلات الحلق والصدر والحجاب، فيحدث ذبحا واختناقا أو يوافي في القلب أدنى ضعف فيضعف عن حمله فيحدث عن ذلك خفقانا وغشيا شديدا وخطرا عظيما. فمن عرض له وجع في فؤاده من شرب النبيذ، فالأفضل أن يتهوع (١) ويشرب بعد ذلك لعاب البزرقطونا المستخرج بالماء ورد أو بماء القثاء. ومن كظه (٢) النبيذ فليتقيأ ويشرب شراب الأفسنتين وماء باردا أو ينقع الأفسنتين بشراب الورد أو أفسنتينا مدقوقا مدوفا بشراب ورد وماء بارد، لان من خاصة الأفسنتين <أن> يحلل خمار المرطوبين. ولذلك صار متى شرب قبل النبيذ أو في يوم الخمار، نفع منفعة بينة. وأقطع الأشياء للخمار ممن كان محرورا شرب ماء الرمانين ولعاب البزرقطونا وحماض الأترج وماء الحصرم، وشم دهن الورد والبنفسج والنيلوفر، ويحمل هذه الادهان على الجبين والأصداغ مضروبة بخل خمر بعقب غواص (3) لطيف عطر الرائحة، والصندل وماء البقلة الحمقاء مع الخل. وبعض هذه الادهان يفعل مثل ذلك أيضا واستجلاب النوم محمود لمثل ذلك. وأما من كان مرطوبا، فالأفضل لقطع خماره شرب الأفسنتين ودخول الحمام والتعرق فيها واستجلاب النوم ما أمكن، والامتناع من كل مأكول ومشروب إلى أن ينحل الخمار جملة وتتنفط الطباع، ويهش للغذاء بشهوة صادقة ونشاط قوي. والله الهادي للمصالح بكرمه وسعة جوده.
نجزت المقالة الرابعة، وبتمامها تم الكتاب والحمد لله الملك الوهاب.
* * *