في الفجل الفجل أيضا على ضربين: لان منه البري، ومنه البستاني. فاما البستاني فيسخن في الدرجة الثالثة ويجفف في الدرجة الثانية ويغذو غذاء أقل من غذاء الشلجم وحرافته. وإن كان غذاؤه مع ذلك غليظا بطئ الانهضام مضرا (1) بالمعدة وغير موافق للعينين والأسنان والحلق ولجميع أوجاع الأرحام.
وأما على مذهب الدواء، فإنه ملطف منق مصف للحواس غاسل للكلى والمثانة من الفضول الغليظة العارضة فيها، مدر للبول، مذيب للحصى. وإذا أكل مطبوخا على سبيل الدواء، نفع من السعال العارض من الرطوبة. وإذا أكل نيئا ولد مغصا ورياحا غليظة، وكان غير محمود للمعدة. وقد يستدل على كثرة رياحه وغلظه من الجشاء المتولد عنه وقوة نتنه وبخاصة إن أكل قبل الطعام لأنه إذا قدم قبل الطعام، ثور (1) الطعام برياحه، وقلبه قلبا ورقاه صعدا ومنعه من التسفل والهبوط إلى قعر المعدة وموضع الطبخ فتعذر لذلك نضجه وقل انهضامه وبعد انحداره وكثرت رياحه وجشاؤه وهيج القئ لأنه بتثويره يضطر الطباع إلى أن تصرف فعلها إلى فوق وبخاصة فيمن كانت معدته مولدة للرياح بالطبع. وإذا أكل بعد الطعام، قل ما يترقى من رياحه وجشائه إلى فوق وهبط سفلا ولين البطن، من قبل أنه بثقله وكثرة رياحه يزحم الطعام ويدفعه إلى قعر المعدة ويعين على هضمه ويحدره بسرعة. وإذا انحدر الطعام عن المعدة بسرعة، قل الجشاء ولانت البطن وسهل نفوذ الغذاء في العروق وقوي الهضم الثاني الكائن في الكبد. وهذه أفضل منافع الفجل إذا أكل في آخر الطعام، وبخاصة فيمن كانت طبيعته سريعة الإجابة ومعدته بعيدة من تولد الرياح بالطبع. ولذلك وجب على من أراد استعماله لجودة الهضم الأول والثاني، ولتليين البطن أن يصيره في آخر الطعام.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: وإنني لاسمع قوما من الأطباء، وأرى كثيرا من الناس يذكرون