المقالة الرابعة القول في الحيوان المشاء والطيار والسابح قال إسحاق: وإذ كنا قد أتينا في المقالة الأولى من كتابنا هذا على القول في طبائع الحيوان ومزاجاتها وأغذيتها ومنافعها ومضارها بالقول المطلق، وأقمنا على ذلك الدلائل الواضحة، فقد بقي أن يستمر الكلام في هذه المقالة بما هو أليق بها ومشاكل لما قصدنا إليه فيها من الاخبار عن كل واحد من أشخاص الحيوان على الانفراد ليكون ذلك أبين وأقرب من عقول المتعلمين.
وقبل أن نبتدئ بذلك فيجب أن نأتي بنتف مما قدمنا ذكره في المقالة الأولى مما يحتاج إلى تقدمه أمام كلامنا هذا، فأقول: إن جميع ما في العالم من نبات وحيوان لا يخلو من أن يكون إما مضادا أو منافرا لطبيعة بدن الانسان وجوهريته، فيكون قاتلا له مثل الحيات من الحيوان والبيش من النبات. وإما أن يكون ملائما ومشاكلا لطبيعة بدن الانسان ومزاجه، فيكون مغذيا له ومربيا لجسمه مثل لحم الحملان من الحيوان والحنطة من النبات. وإما أن يكون مخالفا لطبيعة بدن الانسان ومزاجه من غير مضادة ولا منافرة، فيكون خارجا عن طبيعة ما يغذو ويقتل جميعا، وداخلا في حد الأدوية مثل المسك والصبر وما شاكل ذلك، وإن كانت هذه الواسطة قد تكون على ضربين آخرين على حسب انحرافها وميلانها إلى أحد الجانبين دون الآخر (1)، لأنه إن كان انحرافها عن الوسطى إلى الحاشية المشاكلة لطبيعة بدن الانسان ومزاجه، كان فيها تغذية ودواء معا مثل لحم القنفذ والأرنب من الحيوان، والكرسنة والترمس من النبات. وإن كان انحرافها عن الوسطى إلى الحاشية المنافرة لطبيعة بدن الانسان ومزاجه، كان فيها أدوية خبيثة مثل الحنظل والسقمونيا والخربق والبلاذر وما شاكل ذلك.
ولما كان قصدنا في كتابنا هذا الكلام في الأغذية فقط، وجب أن نقتصر على ما فيه غذاء لبدن