القول في أطراف الحيوان أعني الأكارع والشفاه والاذان أما أطراف الحيوان <ف> قليلة الشحم واللحم، بعيدة الانهضام بالطبع، لأنها من جوهر العصب والجلد. ولكن لما كانت حركتها دائمة غير منقطعة، صارت أرخى لحما وأسرع انهضاما بالعرض، لأنها لدوام حركتها وتواترها، صارت أسرع انهضاما مما شاكلها من الأعضاء العصبية القليلة الحركة. ولما كان شأن جوهر العصب، إذا انهضم، أن يصير لزجا لازوقا مزلقا، كانت الأطراف أيضا، إذا انهضمت، صارت لزجة لزوقة مزلقة للمعدة سريعة الانحدار عنها وعن الأمعاء. ولذلك أيضا صار لا يصل إلى البدن من غذائها إلا اليسير، لان غذاءها لا يلبث في المعاء الدقاق حتى تحصل حاجتها.
ولهذا السبب نسبت إلى قلة الغذاء، إلا أن الغذاء المتولد عنها، وأن كان يسيرا لزجا، فإنه ليس بالغليظ ولا بالكثيف. ويستدل على ذلك من الشاهد، لأنا نجدها خارجا إذا طبخت، انتفخت انتفاخا كثيرا وربت واتسعت طولا وعرضا. وفى هذا دليل واضح على خفتها ولطافة جوهرها، وإن كان غذاؤها يسيرا.
ومن منافع الأكارع على سبيل الدواء: أنها ملينة لخشونة الصدر والرئة، نافعة من السعال الجاف العارض من اليبوسة ومن القروح والسحوج العارضة في المثانة. وإذا أكلها من كان به إسهال من سحج في المعاء، غرت السحج بلزوجتها وغرويتها وصارت سببا لحبس البطن بالعرض لا بالطبع، لان من طبعها الازلاق والانحدار بسرعة. وأفضل أطراف الحيوان وأسرعها انهضاما الأكارع لدوام تعبها وتواتر حركتها. واليدان (1) من الأكارع أفضل من الرجلين لان تعبها أكثر، وحركتها أدوم، ولحمها أكثر، وهي من ينبوع الحرارة الغريزية أقرب. وباطن الأكارع أفضل من ظاهرها، لان حركتها فيما يلي الباطن أقوى وأعنف كثيرا.