في الخل الخل يبرد تبريدا معتدلا، ويجفف تجفيفا قويا، لان يبسه أقوى من يبس ودمه (1). والسبب في ضعف تبريده أنه مركب من طبيعتين مختلفتين من برودة ضعيفة وجبت له من حموضته، وحرارة عرضية استفادها من الغليان والتعفن. وذلك أن هيولي (2) كل خل في ابتدائه يكون حلوا، فإذا نضج بحرارة الشمس، غلى ولم يكن في حلاوته من القوة ما يثبت ويحفظ نفسها، تعفنت الرطوبة الحاملة لها واستحالت إلى الحموضة واستفادت حرارة عرضية من الغليان والتعفن، ولذلك صار تبريد الخل في الدرجة الأولى، وتجفيفه في الدرجة الثالثة. فلضعف برودته صار فعله ينفذ في الأبدان بسرعة ويصل إلى ما بعد وناء من الأعضاء، ويفعل فيها فعله في الأعضاء القريبة، لان لطافة حرارته العرضية التي حطته عن درجة الحموضة في البرودة تطرق له وتغوصه وتنفذه إلى الأعضاء البعيدة، وغيره من الرطوبات الحامضة مثل الحصرم وماء الرمان الحامض ومثل الأترج وما شاكل ذلك. ففعله فيما قرب من الأعضاء أكثر من فعله فيما بعد منها لان حموضته ساذجة بسيطة ليس معها حرارة عرضية تلطفها وتطرق لها وتنفذها إلى ما بعد وناء من الأعضاء.
ولجالينوس في هذا المعنى قول قال فيه: إذا أردت أن تبرد حرارة في المعدة وما قرب منها، فاقصد ماء الرمان الحامض وماء الحصرم وحماض الأترج وما شاكل ذلك، لأنها أبطأ في المعدة وأكثر لبثا لان برودتها برودة ساذجة بسيطة ليس معها ماء يطرق لها وينفذها إلى المواضع البعيدة بسرعة. وإذا أردت أن تبرد حرارة في أعضاء بعيدة عن المعدة، فاقصد الخل، لان الخل معه ما يطرق له ويوصله إلى ما بعد من الأعضاء بسرعة. ولذلك صار فيه تحليل وتلطيف وتقوية بينة. فلتحليله وتلطيفه صار إذا شرب وهو حار، نفع من عسر النفس الذي يحتاج معه إلى الانتصاب وحلل الدم واللبن الجامدين في المعدة ودفع