القول في لحم البقر أما لحم البقر فإنه إذا قيس إلى لحم الضأن (1) وغيرها، كان يبسه ظاهرا وجفافه بينا، لان يبسه أكثر من يبس الماعز بالطبع. ولذلك صار الدم المتولد عنه غليظا عكرا أسود سوداويا. ولهذه الجهة كثر غذاؤه وبعد انهضامه وعسر انحلاله، وصار حابسا للبطن. ومن فعله أنه متى وافى مزاج المستعمل له سوداويا، ولد غلظا في الطحال، وأورث الحمى المعروفة بالربع، وأفسد مزاج البدن كله بدءا ثم آل بصاحبه إلى الاستسقاء اللحمي. وكثيرا ما يعرض للمدمنين عليه من مزاجه سوداوي، الجرب السمج القبيح والقوابي والداء المعروف بداء الفيل والسرطانات والجذام والعلة التي يقشر الجلد منها، إلا أن غذاءه يختلف في جودته ورداءته وسرعة انهضامه وإبطائه على حسب اختلاف سنه، وذلك أن منه الرضيع، ومنه ما هو بعد في النشوء قريب العهد بالميلاد واللبن، ومنه الفتي المعتدل البعيد العهد بالميلاد، ومنه الهرم الطاعن في السن.
فما كان رضيعا كان غذاؤه محمودا وانهضامه حسنا لان جوهره أزيد حرارة وأكثر رطوبة. ولذلك صار الغذاء المتولد عنه خارجا عن طبع المرة السوداء، داخلا في طبيعة الدم لقربه من الميلاد واكتسابه الحرارة والرطوبة من اللبن. ولهذه الجهة صار محمودا سريع الانهضام محدرا للمرة الصفراء من المعدة، وبخاصة متى وافى مزاج المستعمل له محرورا والناقهين من الأمراض فإنه، وإن كان غير ضار بهم لاعتدال مزاجهم، فإن غذاءه يثقل عليهم لأنه أغلظ من قوة احتمالهم على هضمه.
وما كان منه بعد (2) في النشوء قريب العهد بالميلاد والرضاع، فإنه أقل رطوبة من الرضيع وأبعد منه انهضاما وانحدارا من المعدة، وأقوى على حبس البطن، إلا أن الدم المتولد عنه غير مذموم لقوة حرارته الغريزية وليانة لحمه ورخاوته لقربه بعد من الميلاد واللبن. ولذلك صار إذا طبخ بالخل وتحست